انتشر أخيراً في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو حول عرض أزياء خاصّ بالمحجبات نظّمه أحد المحالّ في الضاحية الجنوبية، أثار السجال من جديد حول مدى مراعاة الحجاب بشكله «العصريّ» معايير السترة التي وُجد الحجاب لأجلها. وهذا يقودنا إلى سؤال من باب آخر يتعلق بالعرض والطلب، والعلاقة بينهما، بمعنى من يؤثّر في الآخر، وهو: «هل في السوق اللبنانية أزياء تجمع بين الموضة ومعايير السترة؟». فإذا أرادت السيدة المحجّبة ارتداء ثياب شرعية تراعي معايير السترة التي ينصّ عليه الدين، فهل تجد طلبها؟ أم أنها تلحق الموضة لتغذّي رغبتها في تحقيق الأناقة والشعور بالأنوثة وتتخلى مرغمةً عن تلك المعايير؟
«الثياب الجميلة غير شرعية»
تشكو سيدات محجّبات إقصاءهن من عالم الأزياء والموضة بعدما «صارت الأسواق لغير المحجبات، أو صاحبات الحجاب غير الشرعي». خلافاً لكونها هواية لدى كثيرات، لا تحبّ غدير التسوق، قبل أن تنزل إلى السوق لشراء الثياب «بعتل الهم»، وتدور في رأسها دوّامة من الأسئلة: «هل سأجد ما يناسبني؟ ماذا لو لم أجد؟». ويعود ذلك إلى أنها «متديّنة وأسعى لتطويل لباسي أكثر، لكن السوق تدفعني إلى التقصير. فوحدها الثياب القصيرة جميلة، أما إذا وجدت ثياباً ذات طول مناسب فيدخل عامل الأسعار إلى الخطّ ويصعّب عليّ المهمة».
توافق ملاك غدير في الرأي، فهي تجد في السوق كلّ الأنساق والأصناف المرتبطة بالحجاب، لكن، «يُصادف أن الثياب الجميلة التي تلفتني تكون قصيرة، أما الثياب المحتشمة فلا تكون مشغولة بشكل جميل وعلى الموضة، بل تقليدية. والشرعيات أغلى ثمناً من الثياب غير الشرعية». أما فاطمة، فقرّرت أن تضع حدّاً «لعناء البحث عن ثياب تعجبني وتتناسب مع التزامي بالحجاب الشرعي ويكون سعرها مقبولاً»، فلبست عباءة الرأس المعروفة بـ«التشادور».
من جهة ثانية، لا تواجه فرح أي مشكلة أثناء التسوّق وتعزو ذلك إلى أنها تضع «حجاباً عصرياً»، على حد تعبيرها. وتفسر، «ألبس الجينز مع سترة قصيرة وبلايزر، أو قميص قصير وهذا متاح بكثرة في السوق».

«الحجاب والموضة لا يجتمعان»
تؤكد مصمّمة العباءات والقفاطين اللبنانية حلا شندب أنه «نادراً، وشبه مستحيل، أن تجد في السوق اللبنانية منتجاً يجمع بين الموضة ومعايير الحجاب، وإن وُجد يكون سعره مرتفعاً ويُطلَب من كبار المصمّمين. باستثناء بعض المنتجات المستوردة من دول مجاورة تراعي الحجاب عند التصميم، مثل تركيا والعباءة الخليجية. قد نجد في بعضها لمسة فنية مع المحافظة على السترة، لكنها تبقى في إطار ضيق». ولا تنكر أن هناك محالَّ في لبنان تتوفر لديها ثياب محتشمة ومرتّبة، لكن «إذا نظرنا إليها من ناحية الموضة نجد أنها ينقصها لمسة لنشتهي ارتداءها».

ما الحل؟
تحاول سيدات اجتراح الحلول. «الترقيع» مثلاً. هكذا تفعل شذى، التي تشتري ثياباً لغير المحجّبات، وتحوّلها إلى ثياب تناسبها كمحجبة، كتطويل تنورة، أو ارتداء سترات تحت الفساتين الحفر… وهو ما تراه شندب «خياراً خاطئاً، لأن التصميم يجب أن يحصل عندما تفكرين في الزيّ من الأساس وبشكل متكامل». وتعطي بعض النصائح لتحقيق مظهر لائق بالحجاب، على حدّ تعبيرها. أُولاها التزام معيار البساطة. فـ«الحجاب له خلفية ولا يمكن أن نحمّله مداخلات ثقافية أخرى». انطلاقاً من هنا، «يُفضّل اعتماد اللون الواحد وعدم تداخل الألوان، والالتزام بإظهار وِحدة واحدة فقط. فإذا كانت الثياب ذات ألوان متداخلة، يجب أن يكون الحجاب بلون واحد. وإذا كانت الثياب ذات لون واحد يمكن وضع بروش صغير للتباين». وتلفت شندب إلى أن الحجاب «يجب أن ينبع من مفهومه الأساسي المرتبط بالسترة والاحتشام فيكون فضفاضاً».

التصميم
بعدما يئس بعض النساء من إيجاد طلبهن في لبنان بحثن في الخارج، وخاصة مع توفّر مواقع التسوق «الأون لاين». وبرز خط لتصميم الثياب الملائمة للحجاب الشرعي بعدما انحصرت هذه «الظاهرة» في فساتين الأعراس وفي طبقة اجتماعية معينة. طبعاً، لا يمكن أن يشمل هذا الحلّ مروحة واسعة من اللبنانيات كونه مكلفاً ولا يتناسب مع جميع الفئات الاجتماعية في لبنان.
«وحدها الثياب القصيرة جميلة والثياب ذات الطول المناسب مرتفعة الأسعار»


تعرّف دعاء حطّاب عن نفسها: «مؤسِّسة بيروت براند، في خدمة كل فتاة محجّبة تريد أن ترتدي ثياباً معاصرة غير منافية للحشمة، ولا تتعارض أبداً مع الحجاب». دخلت حطّاب عالم تصميم أزياء المحجّبات بعدما «صار 90% من السوق اللبنانية الحالية يتنافى مع مفهوم الحجاب الشرعي». وتعود في الزمن إلى الوراء «عندما كان عالم الموضة والأزياء حكراً على غير المحجّبات، أما المحجبة فتلبس ما يستر بدنها ورأسها من دون تخطيط. إلى أن صار في السوق خط يخصّ المحجّبات الملتزمات. وليس قديماً، بل منذ نحو عشر سنوات صارت لهذه الفئة تصاميم خاصة». لا تستطيع حطّاب أن تقدّر التكلفة الإجمالية للثياب المصمّمة لأن ذلك «يتوقف على الوقت والجهد اللذين تتطلبهما وكلفة القماش التي تبدأ من دولارين للمتر الواحد وقد تصل إلى 90 دولاراً».



عبد محفوظ: الحجاب في لبنان أنواع


يستهلّ المصمّم اللبناني عبد محفوظ حديثه عن الحجاب بـ«ملاحظة مهمة» وهي أنه «خلافاً لدول أخرى، مثل الخليج حيث تضع الأنثى عباءة سوداء، ليس هناك حجاب واحد ترتديه جميع السيدات في لبنان». وفق محفوظ، الأمر يتشعّب باختلاف الأديان والمناطق والثقافات، فـ«نجد في الطائفة الدرزية حجاباً أبيضَ يلفّ رأس المرأة، يختلف عن حجاب الراهبات في الكنيسة. ولا يشبه حجاب السيدات في الطائفة السنية نظيره لدى الطائفة الشيعية. مناطقيّاً، حجاب بنات بيروت غير حجاب بنات طرابلس أو الجنوب أو الضاحية الجنوبية. حتى داخل الدين والطائفة والمنطقة الواحدة هناك اختلافات في طريقة وضع الحجاب. هناك من تضع «قمطة» تحت الإيشارب، وهناك حجاب يظهر الغرّة أو الرقبة أو الأذنين».
أما في ما يخصّ العباءة السوداء أو ما يُعرف بـ«التشادور»، وهو زيّ ترتديه سيدات في الطائفة الشيعية، فيُعيد محفوظ دخوله إلى لبنان إلى ما بعد انتصار الثورة الإيرانية. «قبلها، كانت السيدة في إيران تتباهى بارتداء العباءة السوداء الغالية الثمن، إلى أن صارت العباءة ملزَمة وبمتناول الجميع وذات سعر متدنٍّ بعد انتصار الثورة الإيرانية، فدخلت لبنان واستوردتها فئة معينة كجزء من ثقافتها».
ويميّز محفوظ أيضاً بين الحجاب الذي يراعي معايير السترة والحجاب «المودرن»، كما يسميه، والذي «بدأ الاستثمار فيه منذ 10 إلى 15 عاماً، ويشمل التورباين، البونّي، وغيرهما من ماركات ثياب خاصّة بالمحجبات». أما الأول «فلم يدخل عالم الموضة محلياً وإن وُجد في السوق بشكل نادر يكون مستورداً من دول تلتزم نساؤها بارتداء الحجاب، مثل تركيا».
وهو يتناول تطوّر الحجاب، يضحك محفوظ عندما يتذكر كيف كان شكل الحجاب منذ خمسين سنة، «إذ كانت والدتي ترتدي الملاية، ولا تظهر من وجهها غير العينين، بعدها درج الزيّ المتوسط الطول وتحته بيجامة واسعة أو شروال فيه كشكش الذي أعدنا تدريجه اليوم»، مشيراً إلى أنه «كلّ نحو عشر سنوات كان يطرأ تعديل على الزيّ اللبناني عموماً، وللمحجبات خصوصاً».