يعرف الإعلام واللبنانيون مركز بحنّس للجيوفيزياء، أو ما يُعرف بـ«مرصد الزلازل»، منذ مدّة طويلة، ولكن لم تعنهم كثيراً منشوراته العلميّة والإعلامية، أو وجوده في اللجان الوزارية والنيابية المعنية بكتابة القوانين الخاصة بالسّلامة العامة، أو حتى لم يسمعوا برئيسته الدكتورة مارلين البراكس قبل فجر السّادس من شباط. إلا أنّ ما بعد هذا اليوم كان مغايراً. فجأةً، ومن دون مقدّمات سُلّطت الأضواء على المركز، وانصبّ الاهتمام على كلّ ما سيصدر عن مركزٍ معنيٍّ برصد الزلازل، ومراقبة حركة القشرة الأرضية في هذه البقعة الجغرافية.لم يهدأ هاتف البراكس طول مدّة المقابلة التي كنا نجريها معها، فقد انتشر رقم هاتفها الخاص بين اللبنانيين، الذين لا يتردّد كثيرون منهم في الاتصال بها بغية الاطمئنان إلى أنّ ما جرى في تركيا وسوريا لن يحصل مثله في لبنان، ولكن لا توجد جهة علمية موثوقة على هذا الكوكب يمكنها أن تجزم في ذلك، بل على العكس، العلم يحذّر، يراقب، ويضع بين أيدينا معلومات تكون بمثابة مدخلات لدراسات تفيد برسم صورة عامة، لا توقّع المستقبل.

من كسارة إلى بحنّس
يُعدّ مركز بحنّس من أقدم المراصد في المنطقة، وفيه أرشيف غني لما يزيد عن 100 سنة من المتابعة والرصد للزلازل، وهو امتداد لمركز كسارة التاريخي الذي أنشأه الآباء اليسوعيون عام 1902، وأُقفل عند اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975، عندها طلبت الحكومة من المجلس الوطني للبحوث تأسيس مركز لرصد الزلازل، فكان المركز الوطني للجيوفيزياء، ومن مهامه الرّصد والبحث العلمي المتخصص.
يعاني المركز من الإهمال وضعف التمويل على غرار بقية مؤسسات القطاع العام


أُنشئ المرصد على ارتفاع 800 متر، من الصّخور، ما يجعل موقعه ممتازاً للرّصد، إذ لا توجد تحته مواد تضخّم الموجات وتغيّرها مثل البحص والرّمل، ولا يسجل ضوضاء المدينة. على مدى قرابة نصف القرن، توسّع المركز من محطة رصد واحدة في كسارة إلى 12، كلّ واحدة منها عبارة عن غرفة مستقلة مرتبطة عبر الإنترنت بالمركز الرئيسي، وتسجّل أيّ حركة لحظة بلحظة. وأنشئت شبكة ثانية مرتبطة بالأقمار الصناعية تهدف إلى «مراقبة حركة القشرة الأرضية على الأراضي اللبنانية بأدقّ تفاصيلها»، تقول البراكس، بالإضافة إلى «محطتين بحريتين لمراقبة مستوى المياه، وهما مرتبطتان بشبكات الإنذار المبكّر الخاصة بأمواج التسونامي في مختلف أحواض المتوسط»، وتضيف البراكس: «فجر الإثنين، وبعد وقوع الزلزال في تركيا، وصلتنا مباشرةً تطمينات من هذه المراكز أن لا خطر على السّواحل اللبنانية».

المرجع الموثوق يعاني
بالإضافة إلى أعمال المراقبة، تتكلّم الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث الدكتورة تمارا الزين عن «مرجعية المركز الوطني للجيوفيزياء في بناء السّياسات الوطنية الخاصة بالسّلامة العامة، إلا أنّ رأيه ليس ملزماً». كما تشير الزين إلى «دور المركز التوعوي حول مخاطر الزلازل، وتعاونه في هذا المجال مع وزارة التربية، اليونسكو، المنظمات الدولية، المجتمعات المحلية، قوى الأمن...».
تضرب الأزمة الاقتصادية المركز بشدّة، فتتكلّم الزين عن معاينتها، منذ اللحظة الأولى لتسلّمها مهامها، «إهمالاً مزمناً يعاني منه المركز، قبل 6 شباط بأشهر»، مع الإشارة إلى «عملها على إيجاد تمويل، ومشاريع تسمح بتطوير عمل المركز كما يستحق نظراً إلى أهميته. فتدنّي الرواتب يمنع جذب خبرات جديدة، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، يتضاعف الضغط على الكوادر البشرية، في ظل الشحّ المادي الذي يضرب كلّ القطاع العام، وكان وقعه أكبر على المراكز العلمية بسبب طبيعة نفقاتها المرتفعة». ولتحقيق الهدف، تعمل الزين على «إيجاد موارد مالية وتقنية للإبقاء على عمله وذلك من خلال شركاء دوليين، كما أنّها تفاوض منذ شهرين على مشروع متكامل مع شركاء فرنسيين لتطوير المركز وتأمين ديمومته، بغضّ النظر عن ما توفّره لنا مساهمة الدولة المالية والتي لا تكفي حتى لتغطية أصغر النفقات التشغيلية».