حلّ فصل الشتاء، ولم تُحلّ مشكلة المياه في القرى والبلدات الجنوبية. وما اعتاد عليه الأهالي سنوياً، من توفير للمياه بالمجّان، لم يحصل بسبب الهطول المتدني للأمطار من جهة، واستمرار توقف مؤسسة مياه لبنان الجنوبي عن ضخ المياه وجرّها إلى المنازل من جهة ثانية، «بسبب الانقطاع المستمرّ للتيار الكهربائي وعدم القدرة على تصليح أعطال المضخّات وشبكة المياه» بحسب أحد الموظفين في منطقة مرجعيون. سببان لم يساعدا الأهالي على ملء آبارهم وخزاناتهم، لتبقى المعاناة من أزمة المياه مستمرة منذ ربيع العام الماضي، واضعة إياهم تحت رحمة أصحاب الصهاريج والجرّارات الزراعية، لكن بأسعار مضاعفة، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وجشع المحتكرين.
أمس، اضطرّ أحمد حيدر ابن بلدة عيترون إلى شراء نقلة مياه كبيرة، «هذه المرة السادسة منذ بداية فصل الشتاء، التي أضطر فيها الى شراء المياه. أحتاج شهرياً إلى 3 نقلات كبيرة، تكلّفني ما يزيد على 6 ملايين ليرة، رغم عدم حاجتنا إلى ريّ الأراضي، فالأمطار القليلة تعوّض علينا فقط ريّ الأراضي الزراعية، لكنها لا تكفي لتعبئة خزانات المياه التي نعتمد عليها للحاجات المنزلية».
تبدو المشكلة أكبر عند أبناء قرى وبلدات مرجعيون، الذين اعتادوا خلال عقود على الحصول على المياه بشكل مستمرّ من نهر الوزاني، ولم يعمدوا إلى بناء خزانات المياه الإسمنتية لتخزين مياه الأمطار. يقول محمد يحيى، ابن بلدة كفركلا إن «أبناء البلدة والقرى المجاورة لنهر الوزاني بنوا منازلهم من دون حفر آبار لتخزين المياه، إذ لم نكن نحتاج إلى شراء المياه التي كان يتم جرّها إلينا مباشرة من نهر الوزاني». ويبيّن أنّ «انقطاع المياه المستمرّ خلال العامين الماضيين بسبب الأعطال التي لم يجر إصلاحها، وغياب التيار الكهربائي بشكل مستمرّ، اضطرنا إلى شراء المياه بشكل أسبوعي، وهذا ما لم يحصل منذ عشرات السنين، أن نضطر إلى شراء المياه في فصل الشتاء كما يحصل هذا العام». ويعيد السبب إلى عدم تساقط الأمطار بما يكفي لتخزين المياه في خزانات البلاستيك «التي اضطرّ الأهالي أيضاً إلى شرائها خلال العامين الماضيين لتخزين ما يحتاجون إليه من المياه بشكل أسبوعي بالاعتماد على الأمطار».
انقطاع المياه المستمر، دفع معظم أصحاب المنازل التي لم يتم تجهيزها بآبار تجميع المياه، إلى شراء خزانات المياه الصغيرة كبديل جزئي عن الآبار الإسمنتية. يقول التاجر حسين عطوي: «بتنا نبيع كميات كبيرة من خزانات البلاستيك الكبيرة التي تسع 2000 ليتر وما فوق من المياه، والتي يزيد ثمن الواحد منها على 120 دولاراً أميركياً، فأصحاب المنازل يشترون عدداً منها، كلّ حسب قدراته المادية، بهدف تخزين المياه في الشتاء للاعتماد عليها في فصل الصيف».
لم يحفر أهالي مرجعيون آباراً قرب منازلهم لاعتمادهم على جرّ المياه من الوزاني

ويشير الى أن «عشرات الزبائن يشترون كميات كبيرة من هذه الخزانات كبديل عن الخزانات الإسمنتية، التي بات بناؤها مكلفاً جداً، إذ تصل كلفة بناء الخزان الإسمنتي المتوسط الحجم إلى ما يزيد على 8000 دولار أميركي، في الوقت الذي لا تزيد فيه كلفة شراء 10 خزانات بلاستيكية على 2500 دولار أميركي». إذاً بحسب عطوي، «بات الأهالي مضطرين اليوم إلى الاعتماد على أنفسهم لتخزين المياه، لكن ذلك يكبّدهم أموالاً طائلة، لا يقدر عليها إلا الميسورون، أما المزارعون فلا بدّ لهم من بيع ما يمكن، أو الاستدانة، لشراء الخزانات لتأمين استمرارية عملهم في الربيع والصيف». لكن تأخر هطول الأمطار جعل الأزمة مستمرة في الشتاء حتى عند الذين استطاعوا شراء الخزانات البلاستيكية، فيقول أحمد أمين (مرجعيون) إن «تمكنه من استدانة الأموال لشراء 5 خزانات من المياه، لم يوقفه عن شراء المياه في فصلَي الخريف والشتاء».