في المخيم 003 في بلدة سعدنايل، تصطفّ مجموعة من خيم اللاجئين السوريين، لا يتجاوز عددها الـ30، على كتف أحد المجاري الشتوية لنهر البردوني، الذي يتصل بالليطاني. مذْ حلّ اللجوء هناك، تبدّلت وظيفة المجرى، إذ حوّله اللاجئون إلى مكبّ عشوائي للنفايات ومكان لتصريف «مخلّفاتهم»، حتى بات أشبه بمرحاض في الهواء الطلق. لا مبالغة في التوصيف، ففي ظل تقاعس المنظمات الدولية عن القيام بواجباتها، ابتكر اللاجئون أساليبهم الخاصة عبر حفر أقنية من «الجور الصحية» إلى المجرى. وقد أدّت هذه الابتكارات إلى تسرّب الأمراض والأوبئة إلى التجمّعات، ومنها مرض الكوليرا الذي انتشر في الآونة الأخيرة. وكلما كبر تعداد المخيم أو التجمّع، كبرت «القساطل» المؤدية إلى مجرى النهر وتعدّدت، وازدادت معها الأزمات الصحية.
يومئ أحد الواقفين على مجرى النهر بيده لنا، ويقول: «سآخذكم في جولة على مخيم، فيه قسطل الصرف 5 إنشات». ينطلق الأخير نحو عمق السهل، على طول خط «التهريب» الفاصل ما بين بلدتي سعدنايل وتعلبايا، حيث المخيم 007. «سرب» من الخيم مرصوفة على طول مجرى النهر. وعلى الضفة المقابلة، الجزء المكمّل من مجرى البردوني الممتلئ بالنفايات، وكأنها أبدية هناك. فعلى الرغم من عرض المجرى، تتكدّس النفايات كالتلال، وحولها تحوم الكلاب الشاردة، تلتقط ما تيسّر مما يرميه أصحاب المزارع والملاحم. وفي وسط كلّ هذا نهر سائب من مياه الصرف الصحي الآتي من المخيم. لا يجد هؤلاء بداً من جيرة المجرور الذي بات يفصل بين خيمهم وجيرانهم في المشروع المقابل. وهم إذ يفعلون ذلك، يعرفون بأنه مع الشتوة الأولى ستفيض هذه المجاري لتغمر ما تيسّر من عيشهم. وهو ما يحدث مع كل شتاء، حيث يفيض النهر على جيرانه فيغرقهم مع أراضيهم التي ترتوي مزروعاتها من مياه الصرف الصحي.
تُقدّر كمية المياه المبتذلة المُسرَّبة من المخيمات بمليوني متر مكعب سنوياً


تحصي المصلحة الوطنية لنهر الليطاني وجود ما يقرب من 974 موقعاً، تضمّ ما يقارب 11466 خيمة، يبلغ عدد النازحين المتواجدين فيها حوالى 68 ألف نازحٍ. وتُقدّر كمية المياه المبتذلة المُسرَّبة من خيمهم بمليوني متر مكعب سنوياً، تتسرّب كلّها إلى مجاري نهر البردوني، ومنها إلى الليطاني، قبل أن تستقرّ في المحطة الأخيرة: بحيرة القرعون.
كان يُفترض أن تكون هذه الملايين المكعّبة مسؤولية المنظمات الدولية، فتقوم بحملات دورية للتنظيف من خلال شفط المياه المبتذلة من الحفر الصحية. لكن، ما «كان يفترض» لم تفعله المنظمات، إذ إنه في الوقت الذي يتوجب فيه عليها سحب مياه الصرف الصحي بمعدّل مرة أو مرتين أسبوعياً بحسب تعداد كل تجمّع، تغيب اليوم شهراً كاملاً قبل أن تقرّر المجيء إلى المخيم لشفط «ألف أو ألفي ليتر»، بحسب ما يجمع عدد من القاطنين في بعض التجمّعات. وقد كان هذا التقاعس سبباً في مدّ اللاجئين قساطلَ من الحفر الصحية في المخيمات إلى مجرى النهر وتحويله إلى مجرى للمياه المبتذلة.