تُعرّف منظمة UN Watch نفسها بأنها منظمة غير حكومية «تراقب أداء الأمم المتحدة تبعاً لميثاق الأمم المتحدة نفسه». ورغم إعلانها عام 2013 أنها أصبحت مستقلة بالكامل، إلا أنها كانت منذ تأسيسها عام 1993 تابعة لـ «الكونغرس اليهودي العالمي» (WJC: World Jewish Congress)، ثم للجنة اليهودية الأميركية (AJC: American Jewish Congress) عام 2001.وتدّعي المنظمة محاربة كل أشكال معاداة السامية ومعاداة «إسرائيل» في الأمم المتحدة. تمتد مجالات عملها إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل «لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى» (أونروا)، فتتدخل في المناهج التعليمية المعتمدة استناداً إلى تقارير معهد «امباكت سي الإسرائيلي»، وترصد حسابات الفيسبوك العائدة للعاملين في الوكالة. وقد شملت تقاريرها الصادرة منذ أيلول 2015 حتى حزيران 2022 أكثر من 120 معلّماً وموظفاً تضمنت تحريضاً وتشهيراً بهم، وأُرفقَت التقارير بصور من منشوراتهم على فيسبوك صنّفتها «معادية للسامية» و«مروّجة للإرهاب» و«محرّضة على القتل»، كما تزعم أن العدد الفعلي للموظفين الذين يحرّضون على الكراهية والإرهاب يفوق هذا العدد بكثير، مطالبة بالتحقيق في الأمر.
وتُعرض هذه التقارير على صحف وتلفزيونات عالمية، ويتم الاستشهاد بها في 600 صحيفة سنوياً، ما يؤدي إلى مساءلة وكالة الغوث دوليّاً وسياسيّاً ودبلوماسيّاً.
في تقرير «تحريضي» رفعته في حزيران 2022، دعت المنظمة المموّلين الرئيسيين للوكالة -بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي- إلى ضمان أن تبرّعاتها للأونروا والبالغة 1.2 مليار دولار، لن تموّل «معلّمي الكراهية»، ودعت الـ«أونروا» إلى تحمّل مسؤولية التزاماتها والتماهي مع معاييرها. كما رفعت هذا التقرير إلى مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل، والسفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوكالة فيليب لازاريني، علماً أن هذه التقارير تضغط باتجاه مساءلة الأونروا دولياً ودبلوماسيّاً وقطع التمويل.

«التضامن ممنوع»
كما تشكل هذه التقارير خطراً حقيقياً على الأساتذة والموظفين الذين تشملهم هذه الادعاءات، لِما يترافق معها من تشهير بهم وتحريض عليهم وتحقيقات تجريها مكاتب «أونروا» يمكن أن تؤدي إلى فصلهم. «هدى» واحدة ممّن شملهم التقرير، علّمت لسنوات عديدة وفق نظام التعليم اليومي، تروي تفاصيل ما حدث معها منذ اللحظة الأولى لاستدعائها إلى المكتب الإقليمي للوكالة في بيروت، بعدما شاركت منشوراً في ذكرى النكبة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول: «في جلسة حضرها محققان من الأونروا، أحدهما أجنبي، تم استجوابي عن سبب مشاركتي للمنشور، فأجبت بأن ذلك كان فقط بهدف التضامن مع شعبي، فنحن بعيدون عن فلسطين، لكن لا نستطيع أن ننساها». كما سُئلت عمّا إذا ما كانت تنتمي إلى أي فصيل فلسطيني أو حزب لبناني، فنفت ذلك مؤكدة أنها شاركت المنشور من حساب صديق إحياءً لذكرى يوم تعدّه مؤلماً لها ولشعبها.

انتهاك الخصوصية
تتطرّق المعلّمة إلى ما اعتبرته انتهاكاً صارخاً لخصوصيتها: «خلال التحقيق، سلّموني ملفاً يتضمن صفحتي الشخصية على الفيسبوك، وصوري مع عائلتي وأصدقائي وصوري الشخصية، كل المنشورات كانت مطبوعة على أوراق وضعت على الطاولة. استمرت الجلسة حوالي ساعة ونصف ساعة، شعرت فيها بالإنهاك من الأسئلة. كان يتمّ تضخيم الأمور البسيطة وإعطاؤها أبعاداً أخرى، كما سألني المحقق الأجنبي عما إذا كان بإمكاني حذف المنشور الذي اعتبره التقرير محرّضاً على العنف ضد إسرائيل فحذفته فوراً».

قرارات الفصل
بعد 10 أشهر من توقيف المعلّمة عن العمل حتى صدور القرار العقابي من قِبل المدير العام لـ«أونروا»، صدر قرار بحقها يتضمّن فصلها عن التعليم لمدة سنة، وهو ما رفضت المعلّمة التوقيع عليه، معتبرة إياه ظلماً «فأنا لم أكن أعرف أي شيء عن UN Watch، كما أنّي لم أخضع لأيّ دورات ترتبط بقوانين الأونروا والحيادية، لأني أعمل وفق النظام اليومي، إضافة إلى توقيفي لمدة 10 أشهر قبل صدور القرار، وبالتالي هذا العقاب يمتد لسنتين»



حتى المناهج معادية للسامية...
لا يقتصر الحراك الإعلامي والدبلوماسي والرقابي لـ UN Watch على المعلّمين والموظفين، بل يستهدف المناهج التعليمية التي تعدّها، محرّضة على الإرهاب والكراهية وتشجّع على معاداة السامية، بغية تغيير هذه المناهج وإزالة المحتوى المناهض للاحتلال.
ورغم إصدار وكالة الغوث في كانون الثاني 2020 نشرة حقائق تحت عنوان "تبديد الغموض حول نهج الأونروا بخصوص المنهاج"، أشارت فيها إلى إجراء مراجعة للكتب والمواد التعليمية المستخدمة في الدول المضيفة، والتأكد من أنها لا تتعارض مع قيم الأمم المتحدة، «ولا تحتوي أيّ شكل من أشكال التمييز أو العنصرية ومعاداة السامية»، إلا أن المنظمة دحضت هذه النشرة مستندة إلى تقارير أعدّتها «لجنة القضاء على التمييز العنصري في الأمم المتحدة»، تشير فيها إلى أن الكتب المستخدمة في مناطق السلطة الفلسطينية تتضمّن العكس، بالإضافة إلى استعانتها بتقارير أعدّها «معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي» "IMPACT-se" الإسرائيلي لتقييم المناهج.
ورأت المنظمة، مستندة إلى تقارير المعهد «الإسرائيلي»، أن الكتب المستخدمة في «أونروا» «تمجّد الإرهابيين» بسبب وجود نص يذكر دلال المغربي. كما انتقدت الكتب التي درسها الفلسطينيون تاريخياً في مدارس الوكالة لأنها «روّجت لفكرة حق العودة» ووجود فلسطين بحدودها التاريخية كاملة على الخريطة، والاحتفاء ببعض الشخصيات الفلسطينية المُقاومة.

مخالفة الحيادية
تنطلق أهمية الأونروا من كونها عاملاً مهماً في الحفاظ على حقوق اللاجئ الفلسطيني ولو مؤقتاً في الشتات حسب القانون الدولي (تصوّت الأمم المتحدة على تجديد عمل الأونروا كل 3 سنوات)، لذا فإن التصويب على الأونروا هو استهداف وتصفية لحقوق خمسة ملايين وسبع مائة ألف لاجئ يستفيد من خدماتها، من ضمنهم معلّمو الوكالة.
تستمر جلسة التحقيق حوالي ساعة ونصف ساعة يتعرّض فيها المعلّم لضغط كبير وانتهاك لخصوصيته


أدّت هذه التقارير، على مدار السنوات، إلى طرد عدد من الموظفين والمعلّمين «بزعم مخالفة الحيادية وخرق قيم الأمم المتحدة»، من دون أن تعلن الوكالة رسميّاً عن هؤلاء أو تفاصيل الإجراءات المتخذة بحق كل منهم. كما دفعت الوكالة مراراً إلى التأكيد على إدانتها لـ«العنف ومعاداة السامية»، والتشديد على أنه لا ينبغي للموظفين فيها «الانحياز أو الانخراط في خلافات ذات طبيعة سياسية وعقائدية وعرقية ودينية» (اتفاق تعاون مع الولايات المتحدة 2021).
وعام 2018، أصدرت «أونروا» سياساتها الجديدة حول مواقع التواصل، إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية إلزامية للمعلّمين حول «الحيادية». ورغم كل ما قدمته الوكالة من تنازلات وتعهدات وإدانات وسياسات قديمة وجديدة، تحت ضغط التقارير التحريضية وقطع التمويل، إلا أن هذا لا يبدو كافياً بالنسبة إلى UN Watch، التي تعتبر أن هؤلاء المعلّمين أنفسهم «تمّت تنشئتهم وفق معاداة السامية والإرهاب»، وبالتالي فإن التعليم الذين يقدمونه للأجيال القادمة يدور في حلقة مفرغة من «الكراهية».





« AJC»


لجنة اليهود الأميركيين، هي منظمة لها أكثر من 70 مكتباً ومؤسسة وشراكة حول العالم، تعمل للتأثير على السياسات والآراء المناهضة لـ«إسرائيل». تدّعي اللجنة دفاعها عن «اليهود»، وتتركّز مهامها على محاربة حركة المقاطعة العالمية (BDS)، الدفاع عن الكيان الإسرائيلي في المحافل الدولية والقانونية كافةً وفي دول آسيا، «مجابهة التطرف والراديكالية» و«الوقوف بوجه معاداة السامية»، كما تنشط دعائياً على مواقع التواصل.

«IMPACT-se»


«معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي»، معهد إسرائيلي يقوم بكتابة الأبحاث والتقارير حول الكتب والمناهج الدراسية العالمية والعربية، والضغط على الحكومات والجهات المانحة لإزالة أي محتوى تعليمي مناهض للاحتلال، بزعم انتهاكه معايير الأونيسكو للتسامح والتقبّل.


«WJC»


يتكوّن المؤتمر اليهودي العالمي من هيئات «وطنية» في 115 دولة في جميع أنحاء العالم ومنظمات ممثلة إقليمية وعدة منظمات يهودية دولية. مهمة الكونغرس وفق وصفه، «توحيد الشعب اليهودي وتمثيل مصالحه»، و«الاعتراف بالمكانة المركزية لدولة إسرائيل بالنسبة إلى اليهود»، وهو يعمل على «تقوية علاقات الجاليات اليهودية واليهود المشتتين في العالم مع إسرائيل» و«تمثيل الجاليات ذات العضوية في المؤتمر اليهودي العالمي وعموم الشعب اليهودي والعمل من أجلها، تجاه حكومات وسلطات حكومية ومنظمات وسلطات دولية».