يزيد إنتاج المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال بشكل كبير ويتم توزيعها «حسب الطلب»، فيتم تداول صور ومقاطع فيديو توثّق العنف المرتبط باستغلال الأطفال وجرائم الاعتداء الجنسي. علماً أن «الرؤوس الكبيرة» من المجرمين في هذه القضايا، هم صانعو تلك المواد الإباحية والمنتجون والمتعهدون والموزّعون. إلا أننا في ما يأتي نتناول الأفراد المستهلكين لتلك المواد، لأنهم يشكلون تهديداً خطيراً لسلامة الأطفال النفسية والجسدية، حاضراً ومستقبلاً، إذ إن استغلال الأطفال في المواد الإباحية يلعب دوراً مركزياً في سلوك المتحرّشين بالأطفال، ويساعد في إغواء ضحاياهم، وقد يؤدي إلى جرائم أخرى مثل «السياحة الجنسية»، ولا سيما في لبنان حيث تتوفر البيئة الجنائية لابتزاز الضحايا مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وغياب الرقابة والمساءلة. يلعب التحليل السلوكي الرقمي دوراً مهماً خلال التحقيقات في الجرائم المتعلقة بالمواد الإباحية للأطفال، من خلال التوصل الى استنتاجات تقنية دقيقة لتحديد ميول المشتبه به كونه مستهلكاً للمواد الإباحية للأطفال
يعيش سامي مع زوجته وطفليه البالغَين الثالثة والسابعة من العمر. عندما وصل فني كمبيوتر إلى منزله لتركيب اتصال إنترنت عالي السرعة، كان سامي بمفرده مع ابنته الصغرى. لدى فتح الفني متصفّح الويب الخاص بسامي، لاحظ وجود روابط لمواقع إباحية للأطفال في قائمة «المفضلة» على شريط المهام، كما شاهد صوراً إباحية على الصفحة الرئيسية للمتصفّح. ولاحظ وجود شرائط فيديو وكاميرا ويب موصولة بجهاز تسجيل فيديو موجّهة إلى الألعاب وإلى الطفل. عاد الفني في صباح اليوم التالي لإكمال عمله، وأشار إلى أنه تم «تنظيف» كل شيء: تم وضع ألعاب الطفل في صندوق، ولم يعد بالإمكان رؤية أشرطة الفيديو، وتم توجيه كاميرا الويب إلى كرسي مستخدم الكمبيوتر.
يأتي توسع الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية المتقدمة بالتوازي مع انفجار سوق المواد الإباحية للأطفال. الصور الإباحية للأطفال متاحة بسهولة من خلال كل تقنيات الإنترنت تقريباً، بما فيها مواقع الشبكات الاجتماعية، ومواقع مشاركة الملفات، ومواقع مشاركة الصور، وأجهزة الألعاب، وحتى تطبيقات الهاتف المحمول.
كما يمكن لمرتكبي جرائم المواد الإباحية الخاصة بالأطفال الاتصال عبر منتديات وشبكات الإنترنت لمشاركة اهتماماتهم ورغباتهم وتجاربهم في الإساءة للأطفال، إضافة إلى بيع الصور ومشاركتها والإتجار بها.
عزّزت هذه المجتمعات عبر الإنترنت التواصل والتعاون بين مرتكبي الجرائم الإباحية للأطفال، وعزّزت علاقة أكبر قائمة على مصلحة جنسية مشتركة للأطفال. ويؤدي ذلك إلى تآكل العار الذي يصاحب هذا السلوك عادةً، فضلاً عن إزالة حساسية المتورطين من الضرر الجسدي والنفسي الذي يلحق بالضحايا من الأطفال. لهذا السبب، تجذب المجتمعات عبر الإنترنت وتشجع أفراداً جدداً للانضمام إليهم في الاستغلال الجنسي للأطفال.

التحقيقات الجنائية الرقمية
تلعب الأدلة الرقمية دوراً مهماً في التحقيقات المتعلقة بالمواد الإباحية للأطفال، ويمكن أن يلعب التحليل السلوكي أو «التنميط» للأدلة الرقمية دوراً حيوياً في هذه التحقيقات. فمن خلال تحليل سجل تصفّح الإنترنت من جهاز كمبيوتر المشتبه به، يمكن تصنيف عناوين الـ URL بين محايد، إباحي للبالغين، إباحي للأطفال، مواقع مواعدة للبالغين، إباحي مثلي الجنس وغيرها، ليصار بعدها الى تحليل الملفات إحصائياً لتحديد اتجاهات تصفح الإنترنت، كتحليل ملف المحفوظات عن طريق زيارة الموقع، وعدد «مرات الدخول» وملفات تعريف الصور وغيرها. كما يميل الخبراء خلال التحقيقات إلى التركيز على الصور أو مقاطع الفيديو غير المشروعة التي تم إرسالها أو تسلّمها أو حيازتها من خلال الأجهزة الرقمية. خلال التحقيقات، يستخدم المحققون الرقميون أدوات وبرمجيات لجمع وفهرسة وتحليل مفصّل للأدلة الرقمية مثل EnCase Forensic، X-Ways Forensic، Paraben، Linux DD، وما إلى ذلك.

كيف يتم جمع الأدلة الإباحية المتعلقة بالأطفال؟

أثناء التحقيق في اتهامات بحيازة مواد إباحية للأطفال، يقوم المحقق بـ:

البحث عن شبكات مشاركة الملفات عبر الإنترنت
يقوم المحققون بتسجيل الدخول إلى الشبكات بموجب بيانات اعتماد مستخدم حالي تحت اسم وشخصية مزيفة، ويقومون بالبحث في الشبكة عن الملفات المشتركة التي تحتوي على مواد إباحية للأطفال. بمجرد تحديد المحققين من قام بتحميل أو تنزيل المواد غير القانونية، يتتبعون عناوين IP الخاصة بالمستخدمين، وهو عنوان إلكتروني مرتبط تقريباً بموقع مادي من خلال مزوّد الإنترنت.

استخدام الأشخاص عبر الإنترنت
تتمثل إحدى الطرق التي يبحث بها المحققون عن منشئي وموزعي ومشاهدي المواد الإباحية للأطفال في إنشاء شخصيات كاذبة عبر الإنترنت، والمشاركة في غرف الدردشة ولوحات المناقشة والإعلانات المبوّبة وغير ذلك من الأمور المتعلقة باستغلال الأطفال في المواد الإباحية. هؤلاء المحققون متطوّرون للغاية في معرفة كيفية ترميز المواد الإباحية للأطفال على الإنترنت، كالكلمات الرئيسية والعبارات التي يجب البحث عنها، والتي قد تبدو بريئة بدرجة كافية، لكنها تشير إلى أن المواد الإباحية للأطفال متاحة، أو أن شخصاً ما يبحث عنها. عندما يحدد محقق أن اسم مستخدم يشير إلى مواد إباحية للأطفال، فسوف يتتبع عنوان IP لاسم المستخدم هذا.

استدعاء المعلومات الشخصية للمستخدمين
بمجرد أن يكون لدى الوكالة عنوان IP الخاص بالمستخدم، تستدعي مزوّد الإنترنت للحصول على المعلومات الشخصية المرفقة بعنوان IP.

الحصول على أوامر التفتيش والضبط
من خلال أمر تفتيش، يُسمح للمحققين بالبحث في المعلومات المخزّنة على الأجهزة الإلكترونية، من خلال مصادرة الأجهزة مثل الكمبيوتر أو الهاتف أو الجهاز اللوحي، مصادرة بطاقة الذاكرة من الكاميرا والأقراص المضغوطة وأجهزة التخزين، الوصول إلى الحسابات عبر الإنترنت أو ملفات تعريف الوسائط الاجتماعية أو غرف الدردشة أو منصات الإنترنت الأخرى، وتتبّع أي أنشطة أو رسائل عبر الإنترنت على مواقع الإنترنت.

التحليلات الجنائية الرقمية
بعد أن يصادر المحققون الممتلكات الشخصية، سيكون لديهم خبراء إلكترونيون يحللون المحتوى الموجود على الأجهزة. يمكن أن يشمل ذلك الملفات الحالية والسجلات وملفات تعريف الارتباط والملفات المحذوفة.

النية الجرمية
يتم استدعاء الخبراء الرقميين لمساعدة النيابة العامة في العثور على أدلة ضد المدعى عليه لإثبات ما إذا كان المتهم يمتلك موادَّ إباحية متعلقة بالأطفال أو يروّج لها أو يوزعها. مع ذلك، من المحتمل أيضاً أن يستخدم الدفاع خبيراً في الأدلة الجنائية الرقمية للتحقق مرة أخرى من عمل التحقيق والمساعدة في إثبات أن المدعى عليه بريء.

175.000 طفل

يستخدمون الإنترنت لأوّل مرّة كلّ يوم (بحسب تقرير منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة «اليونيسف» في عام 2018)


هناك بعض الخطوات التي يُفترض أن يتخذها الخبير الرقمي خلال البحث في القضايا الجنائية المتعلقة باستغلال الأطفال في المواد الإباحية. من خلال فحص وتصفح مجمل البيانات المتاحة، يمكن للخبير البحث عن جميع المحتويات ذات الصلة بقضية المواد الإباحية للأطفال. من خلال مراجعة نوع الدليل يتمكن الخبير من تحليل ما إذا كانت هناك نية، أو إذا كان هناك نقص في النية في تلقي الصور أو مقاطع الفيديو غير المشروعة. على سبيل المثال، إذا تم العثور على الصور أو مقاطع الفيديو غير المشروعة مُخفاة داخل صورة أخرى أو مجموعة ملفات لم يتم فتحها مطلقاً، يمكن أن يساعد ذلك في إثبات أنه فيروس كمبيوتر أو إرسال شخص آخر المحتوى بشكل ضار إلى المدعى عليه وهو بريء.

التهرّب من الجريمة
أصبحت الأساليب التي يستخدمها العديد من المجرمين للتهرب من كشف إنفاذ القانون أكثر تعقيداً. يواصل متعهدو المواد الإباحية للأطفال استخدام تقنيات تشفير مختلفة وشبكات مجهولة على «الإنترنت المظلم»، في محاولة لإخفاء مجموعاتهم المتراكمة من الصور غير المشروعة لإساءة معاملة الأطفال. حتى إن العديد من المنظمات الإجرامية المتطورة على الإنترنت كتبت أدلة أمنية للتأكد من أن أعضاءها يتبعون بروتوكولات الأمان المفضّلة وتقنيات التشفير في محاولة للتهرب من تطبيق القانون وتسهيل الاعتداء الجنسي على الأطفال.

إيذاء جنسي دائم
يفشل مصطلح «المواد الإباحية للأطفال» أو Child Pornography في وصف الرعب الحقيقي الذي يواجهه عدد لا يُحصى من الأطفال. عندما يتم نشر هذه الصور على الإنترنت، يستمر إيذاء الأطفال إلى الأبد. فالضحايا الأطفال الذين يتم تصويرهم في هذه المواد الإباحية غالباً ما يعانون من «إعادة إيذائهم» من خلال معرفة أن صور الاعتداء الجنسي عليهم موجودة على الإنترنت في متناول الجميع وفي أي وقت. يؤدي هذا غالباً إلى ضرر نفسي دائم للطفل، بما في ذلك اضطرابات في النمو الجنسي، والصورة الذاتية، وتطوير علاقات الثقة مع الآخرين في المستقبل.
من ناحية أخرى، يزيد الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة المبكرة بشكل كبير من خطر تعرض الفرد للسلوك الإجرامي والجانح في وقت لاحق. ويتعرض ضحايا الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة لخطر متزايد للاعتقال بسبب البغاء/ الدعارة كبالغين.

يتعرض ضحايا الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة لخطر متزايد للاعتقال بسبب البغاء/ الدعارة كبالغين


الرضا الزائف
في حين أن بعض صور الاعتداء الجنسي على الأطفال تصوّر الأطفال في حالة انزعاج وضيق، فإن صوراً أخرى قد تظهرهم راضين. ومع ذلك، فإن مجرد ظهور الطفل بالرضا عن النفس لا يعني عدم حدوث اعتداء جنسي. في معظم حالات استغلال الأطفال في المواد الإباحية، لا تكون الإساءة لمرة واحدة فقط، بل هو إيذاء مستمر يتطور على مدى شهور أو سنوات. من الشائع أن يقوم منتجو المواد الإباحية عن الأطفال بتدريس الضحايا، أو إقامة علاقة مع طفل وإضفاء الطابع الجنسي على الاتصال تدريجياً بمرور الوقت. تعزز عملية الاستمالة شعوراً زائفاً بالثقة والسلطة على الطفل من أجل إزالة الحساسية أو كسر مقاومة الطفل للاعتداء الجنسي. لذلك، حتى لو بدا الطفل راضياً في صورة معينة، من المهم معرفة أن الإساءة ربما تكون قد بدأت قبل سنوات من تلك الصورة.





الفيديو غايم والجنس
في دراسة جديدة، أجراها باحثان في علم النفس في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، حول تأثيرات ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة، لم يكسر ما توصل له الباحثان فقط الصورة النمطية القائلة بأن الرجال فقط يستمتعون بالألعاب العنيفة، بل كشف أيضاً أن الدافع للعب ألعاب الفيديو العنيفة يرتبط ارتباطاً وثيقاً برغبة الناس في ممارسة الجنس. كما وجدا أن النساء كنّ أكثر تحفيزاً للعب ألعاب الفيديو العنيفة لأن القيام بذلك جعلهنّ يشعرن بمزيد من الجاذبية والإثارة.


حبّ المغامرة
يقوم الأطفال أثناء تصفّح الإنترنت بتكوين صداقات والتعرف إلى أشخاص جدد من خلال الشبكات الاجتماعية مثل Facebook وغرف الدردشة الخاصّة والتي تشكّل عامل إثارة بالنسبة إليهم، وذلك بسبب سمة التخفي والسرية التي تتميز بها، مدفوعين بحبّ المغامرة والاستكشاف التي تُعتبر جزءاً من عملية النمو التي يواجهها الوالدان في الجوانب كافة المتعلقة بسلامة الطفل بما فيها الإنترنت، لذا فإنهم لا يتوانون عن التحدث مع أشخاص غرباء قد يكونون منحرفين، وقد يؤدي الاتصال المباشر بين الطفل والغريب على الشبكة إلى الكشف عن معلومات قد تُعرّضه أو تعرّض أسرته إلى خطر شخصي وأحياناً يتم إغراء هؤلاء الأطفال للالتقاء بهم خارج الفضاء الافتراضي.
يمكن للقاءات من هذا النوع أن تهدّد سلامة الطفل، فالمتحرّشون بالأطفال يستخدمون بشكل خاص غرف الدردشة والمنتديات وبرامج المراسلة الفورية لكسب ثقة الطفل، وانتزاع معلومات شخصية عنه بطرق ماكرة، ولترتيب لقاء معه وجهاً لوجه بهدف الاستغلال الجنسي مثلاً.