انفجر أمس الخلاف بين المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي ومجلس الإدارة، مع تعميم أصدره الأول، حذّر بموجبه «جميع المستخدمين، وخاصة المديرين ورؤساء المصالح والدوائر والمكاتب، من الاتصال أو التواصل أو الاستقبال أو إعطاء أيّ معلومات لأيّ عضو من أعضاء مجلس الإدارة مهما كانت صفته تحت طائلة المساءلة المسلكية المشددة».لم يكن القرار مفاجئاً، في ظلّ افتراق الطرفين في جملة من الملفات الحساسة، ومنها الأساسي الذي يتعلّق بمالية الصندوق. ففي الآونة الأخيرة، احتدمت الخلافات بين الطرفين، إلا أنها بقيت أشبه بنار تحت الرماد، ولم تخرج إلى العلن إلا أمس مع التعميم 2157. مع ذلك، كان مفاجئاً في التعميم أنه أشبه بقرار «النفي»، فـ«لا تواصل ولا استقبال ولا اتصال» تحت طائلة العقوبات. هكذا، وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة بين الطرفين، وخصوصاً أن بين الطرفين «قصة قلوب مليانة»، وإن كان السبب الخفيّ لم يظهر إلى العلن حتى اللحظة، وما يتردد من أسباب هو أقرب إلى التكهنات مع ركون كل طرف إلى رواية.
في الرواية «الرسمية»، حديث عن تباين وإشكالية في «طريقة عمل بعض أعضاء مجلس الإدارة الذين باتوا أقرب إلى معقّبي معاملات». وعلى الضفة المقابلة، يصف بعض أعضاء مجلس الإدارة هذا السبب بأنه «حجة للتغطية على ما يريد كركي إخفاءه من فضائح تطال الإدارة». مع ذلك، لم يفهم هؤلاء حتى اللحظة السبب الحقيقي لصدور المذكّرة. ويجمع البعض على أن «النزاع» بين الإدارة والمجلس هو حول تأمين الاعتمادات اللازمة لتغطية نفقات بدل التنقل والانتقال لأعضاء المجلس بعد صدور قرار بذلك عن وزير الوصاية يقضي بتعديل البدلات، إذ كان «المدير العام يرفض تطبيق القرار من خلال الامتناع عن رصد الاعتمادات اللازمة». وبحسب الأعضاء، قد يكون السبب أيضاً «كتاب نائب رئيس مجلس الإدارة الذي وجّهه إلى المدير العام أول من أمس ويطالبه فيه ببيان مفصل عن وضعية الاعتمادات اللازمة والمخصصة للتنقل والانتقال»، وهو الكتاب الذي رفض المدير العام تسلّمه.
يأخذ المدير على بعض الأعضاء أنهم باتوا أقرب إلى معقّبي معاملات


في سياق ذلك، يعود بعض أعضاء مجلس الإدارة إلى بداية «قضية» بدل التنقل والانتقال، وتحديداً إلى عام 1999، مع إقرار 200 ألف ليرة لكل عضو من أعضاء مجلس الإدارة كبدل من حضور الجلسات، بما فيها تعويض نقل وانتقال بنسبة الثلث (أي بحدود 67 ألفاً). استمر الواقع على ما هو عليه حتى عام 2008 مع إقرار بدل غلاء معيشة، وهو ما دفع بأعضاء مجلس الإدارة الى المطالبة بتعديل «مخصصاتهم». وقد صيغ اقتراح بهذا المطلب، إلا أنه لم يصل إلى خواتيمه، إلى أن أقرّ بدل غلاء معيشة آخر في عام 2012، فعاد هؤلاء إلى المطالبة من دون أن يصلوا إلى مطلبهم. ومع الأزمة المالية الأخيرة، عملت وزيرة العمل السابقة لميا يمين، وبناءً على مطالبات أعضاء مجلس الإدارة، على صياغة مشروع مرسوم يقضي برفع قيمة التعويض من 200 ألف ليرة إلى 800 ألف ليرة، إلا أنه لم يسلك طريقه إلى مجلس الوزراء، إلى أن كان أول قرار أصدره الوزير الحالي مصطفى بيرم بمنع بدل الانتقال عن أعضاء مجلس الإدارة الذين يحضرون اجتماعاتهم عبر تطبيق zoom. إثر ذلك، «عدّل بعض الأعضاء بصيغة الطلب، فأرسلوا كتاباً إلى الوزير يطالبون فيه بالمصادقة على «النفقة المدفوعة والمنصوص عليها في كل الأنظمة بالمؤسسات العامة، والتي تعطي بدلات على الكيلومتر»، بحسب أحد الأعضاء. وقد احتسب هؤلاء «بدل 140 كيلومتراً بتنكة بنزين وهكذا دواليك». وقد أقر الوزير هذه الصيغة «حيث فصل بين بدل الانتقال الذي وافق على احتسابه على أساس الكيلومتر، وبدل حضور الجلسات الذي يستوجب إقراره في مجلس الوزراء والذي لم يبحث به». حدث ذلك قبل 3 أشهر، إلا أن «المدير العام رفض تنفيذ قرار الوزير»، بحسب الأعضاء، «فلم يرصد له الاعتمادات اللازمة». ولذلك أرسل نائب رئيس مجلس الإدارة، غازي يحيى، أول من أمس، الكتاب الذي يدعو فيه كركي إلى الكشف عن الاعتمادات وما هو متوافر منها.
بحسب أعضاء مجلس الإدارة، كان الكتاب «القشة التي قصمت ظهر البعير»، إلا أنهم مع ذلك يعرفون في قرارة أنفسهم أن هذا ليس سبباً جوهرياً لصدور هذا القرار، ويعتبرون أن «نقاط الخلاف الأساسية التي دفعت المدير العام إلى تلك الهستيريا هي الملفات التي تتعلق بالمضمونين، وخصوصاً خلال الأزمة حيث أدار كركي الأذن الطرشاء لهؤلاء وبات شغله الشاغل البحث عن زيادة الإيرادات وخفض النفقات».