لم تحدث الإصابة بالكوليرا التي اكتشفت في زفتا (قضاء النبطية) لدى طفل سوري، الكمّ المتوقع من الهلع. إذ انتشر بين أهالي البلدة وجوارها حملة على وسائل التواصل الاجتماعي شعارها «الكوليرا ولا دخان الكفور». يجمع كثر بأن الضرر الذي يتسبّب به وادي الكفور، بأشكال ملوّثاته المتنوعة، يفوق بخطورته الكوليرا وكوفيد19. يقع الوادي في نطاق بلدة الكفور (قضاء النبطية)، ويشرف على بلدات عدة بين النبطية وإقليم التفاح والزهراني وصيدا. ومنذ بداية التسعينيات، تتوالد أزماته البيئية من دون معالجة جذرية أو جزئية، من الكسارات والمقالع إلى مكبات النفايات العشوائية حيث ترمى نفايات بلدات عدة إلى بؤر حرق آلاف الإطارات.
على نحو يومي، يشكو أهالي النبطية وإقليم التفاح من الدخان والروائح الكريهة المتصاعدة من الوادي. الغضب الشعبي شكل «تجمّع الأهالي المتضرّرين من الكارثة البيئية لبلدية الكفور». لكنه لم يحرّك اتحاد بلديات الشقيف المشرف على تشغيل معمل الفرز. فيما تشكو المحافظة ضيق الإمكانيات في ملاحقة المتسبّبين بحرق النفايات والإطارات. وبين هذا وذاك، تكال إلى حزب الله وحركة أمل اتهامات بالتقصير في الضغط على المعنيين بتشغيل المعمل ومنع إحراق المكبات والنفايات.

منع حرق الإطارات
أعلى مستوى من الاستجابة الرسمية لصرخة المتضرّرين، سجلت من وزير البيئة ناصر ياسين في نيسان الماضي. حينها، جال على معملَيْ تدوير الإطارات المتهمَّيْن باتباع وسائل غير بيئية في تشغيلهما. كما جال على مكبات النفايات ومعمل الفرز. وتبيّن في الجولة، بأن بعض سحب الدخان ناجمة عن الحرق في المعملين اللذين يستخدمان تقنية التفكك الحراري في حرق الإطارات لإنتاج الوقود للاستخدام الذاتي أو بيعه. وينتج الحرق مادة الكاربون الأسود بكميات كبيرة، يمكن استخدام جزء قليل منها ببيعه إلى شركات الإسمنت. فيما تبقى الكميات الأكبر مكدّسة، فتتناقل عبر الهواء وتضرب أجهزة التنفس.
حرق الإطارات العشوائي توقف ميدانياً


حينذاك، تواصل ياسين مع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، الذي أرسل بدوره تعميماً إلى محافظ النبطية بالوكالة حسن فقيه والقوى الأمنية بوجوب التشدّد بمنع حرق الإطارات. كما استدعى أصحاب المعملين للالتزام بالشروط البيئية. فما الذي أنجز خلال الستة أشهر الماضية؟
في اتصال مع ياسين، نقل عن فقيه بأن «حرق الإطارات العشوائي توقف ميدانياً. وتابعنا مع أصحاب المعملين لتقديم تدقيق بيئي. أحدهما تقدّم بها. فيما الثاني لا يزال في طور إجراء دراسة التدقيق البيئي». يقرّ ياسين بعدم إمكانية مراقبة أصحاب المعملين، في حال أخلا بالتعهد الذي وقعاه للالتزام البيئي «لأن كادر الوزارة محدود في ظل تراجع إمكانيات المحافظات والقوى الأمنية».

أزمة النفايات
أما بالنسبة لأزمة النفايات المزمنة في الوادي، «فالحلّ المتوافر بالنظر إلى الإمكانيات الحالية هو الطمر، إلى حين انتظام عمل معامل المعالجة وحملات الفرز من المصدر» قال ياسين.
فمتى تنتظم؟ لا تزال المعامل تحت وصاية وزارة التنمية الإدارية. فقد رفض ياسين إحالتها إلى وزارته «بسبب غياب التمويل الكافي لتشغيلها». والتمويل ليس الشرط الوحيد. خطة إدارة فرز النفايات التي وضعها ياسين، وحازت موافقة مجلس الوزراء، تقوم على معامل الفرز، سواء بتشغيل المتعثرة منها أو بناء معامل جديدة. ما استطاع ياسين تأمينه لتطبيق الخطة، الاستحصال على دعم مالي من البنك الدولي بقيمة 10 ملايين دولار لتشغيل معامل بيروت وجبل لبنان. قبل أن يستحصل على دعم آخر بقيمة تسعة ملايين دولار لتشغيل معامل صور وعكار حيث تتوافر مطامر. أما للبقاع، فقد استحصل على حصة من قرض البنك الدولي لمشروع «رفع التلوّث عن بحيرة القرعون»، لتشغيل معامل الفرز في البقاع الغربي بمحاذاة نهر الليطاني. يقرّ ياسين بأن «تطبيق الخطة بطيء لأن العمل في إدارات الدولة متعثر، ولن يثمر أي نتائج قبل بداية العام 2024!».