تكثر الأخبار عن توقيف القوى الأمنية أو العسكرية لصوصاً بالجرم المشهود، وعن القبض على مجموعة اشخاص يشكلون عصابة احتيال أو تزوير أو تجارة مخدرات ممنوعة. وتنتشر البيانات المنوّهة بالشرطة والجيش والداعية الى الاطمئنان بأن البلد ممسوك امنياً، وتؤكد أن قوى الامن لا تزال تقوم بواجباتها رغم النقص الحاد في الموارد والعديد وتدني قيمة رواتب العناصر والضباط. لا شك في ان الأخبار التي تتناول القبض على «مجرمين» تُعَمَّم بشكل واسع وتتباهى الدولة بها. لكن، في المقابل، فإن الاخبار عن اطلاق اشخاص انتهت عقوبتهم السجنية لا تلقى اي اهتمام، لا في وسائل الاعلام ولا في مؤسسات الدولة. ولا توجد في لبنان إحصاءات دقيقة عن عدد السجناء السابقين الذين يكررون جرائمهم بعد اطلاقهم. فما من أحد يتنبه إلى ما يحلّ بالسجين السابق وإلى تأثير السنوات التي قضاها في السجن على سلوكه وعلى نشاطه الجنائي السابق.
بما ان الازمة الاقتصادية تتفاقم، وبما ان أوضاع السجون في لبنان تزيد سوءاً ولا يشارك الا عدد قليل من السجناء في برامج إعادة التأهيل والعلاج النفسي والعلاج من ادمان المخدرات والنشاطات التربوية والثقافية والرياضية، وبما ان الدولة لا تعدّ السجون من بين أولوياتها في ظل المشكلات المتفاقمة في القطاعات الأساسية، وبما ان الفساد ينتشر في كل المجالات في لبنان بما في ذلك السجون، وبما ان قوى الامن تعاني مشكلات عديدة ونقصاً حاداً في الموارد والعديد وليست مؤهلة مهنياً لإدارة السجون، فلا شك في ان لا اصلاح للسلوك الجنائي أو رادعاً له حالياً. ويتحول السجن من مؤسسة تعاقب من ارتكب جرماً الى مكان يساهم في تطوير اساليبه الجنائية من خلال اختلاطه بمجرمين محترفين خلف القضبان. ففي السجون تجنّد العصابات أعضاءها الجدد وتبنى الشبكات الاجرامية تمهيداً لإطلاق نشاطها المتجدد. وفي يوم اطلاق السجين، أي في اليوم الذي يفترض ان يكون مرتكب الجريمة قد اصلح أو ارتدع، سيبدأ الموسم الثاني أو الثالث أو الرابع من مسلسل الجريمة... وبكفاءة اكبر وقدرات أوسع ومعارف أكثر.