قبل إنشاء الجمهورية اللبنانية، بدأ التشكيل العسكري والإداري للبنان الكبير يأخذ طابعاً تنظيمياً. في العام 1920، أنشا الجنرال غورو جندرمة لبنان الكبير، وكانت مهامها عسكرية بحتة. وفي العام 1922 أنشأ المفوض السامي نظام البوليس للزوارق في مرافىء سوريا ولبنان، وكان عبارة عن قوى تجمع بين المهمات الحالية لكل من الجمارك والامن العام، قبل أن يصدر في نيسان من العام نفسه قراراً بإنشاء «مجلس تأديبي لمفوضي وأنفار البوليس في دولة لبنان الكبير». وفي حزيران 1922 أصدر حاكم لبنان الكبير، جورج ترابو، قراراً يتعلق بأصول اختيار وترقية رجال البوليس من مفوضين ومعاونين في دولة لبنان الكبير.صدر نظام البوليس في لبنان الكبير عن حاكم لبنان الكبير ليون هنري شارل كايلا في 27 نيسان 1926، بموجب قراره الرقم 3638/1926، وذلك بعدما أصدر المفوض السامي قرار «إدارة دائرة البوليس». ورغم وجود الجندرمة التي كانت مهماتها نادرة وصلاحياتها محدودة (كالإشراف على نظام نواطير الحقول)، إلا أن الدورالأبرز كان للبوليس الذي كانت مهماته تشبه مهمات قوى إنفاذ القانون، إلا أنها كانت متفرقة ومحددة في متن كل قرار إدراي يصدر عن السلطة التنفيذية حينذاك. هكذا، نجد تكليفاً لدائرة البوليس بإنفاذ قرار فرض الرسوم والرسوم الاضافية على السيارات المعدّة للاجرة والسيارات المختصة بالأفراد وتلك المخصصة للنقليات العامة (ركاب وبضائع) والموتوسيكلات، أو تكليفاً بتنفيذ قرار منع عرض أي سلسلة من الصور المتحركة (سينما) قبل مراقبتها، أو تكليفاً بتنفيذ قرار تنظيم السير العام على الطرق المفتوحة في مدينة بيروت.
بشكل عام، كانت المهمات الأبرز للبوليس في مؤازرة للسلطات العامة الإشراف على تحصيل الضرائب، والاشراف على نظام المقامرة والمراقبة العامة على الاماكن المخصصة لها لمعاونة معتمدي المالية المختصين بالتدقيق في تحصيل المبالغ الواجب حسمها من حاصلات المقامرة.
عام 1923، أحال حاكم لبنان الكبير منشوراً الى المدعي العام لدى محكمة الاستئناف، وهو عبارة عن مذكرة تشرح الصفة العدلية لمهمات البوليس والتي تتضمّن معاونة القضاء للقبض على المطلوبين الفارين من وجه العدالة عبر وضع مذكرة ترسلها الى الامن العام والبوليس والجندرمة. وتعدّ المذكرة من أولى مهمات الضابطة العدلية المكتوبة.

تحديد مهمات الجندرمة
عام 1933، وإثر قيام الجمهورية اللبنانية، أصدر رئيس الجمهورية حينذاك شارل دباس مرسوماً جمهورياً يحدّد نظام الجندرمة اللبنانية. ويوضح المرسوم أن الجندرمة قوة انشئت لحفظ الراحة والامن العامين ولصون النظام حيث يهدد ومدّ يد المساعدة والاسعاف لكل فرد وقت الخطر وصيانة الحريات القانونية للجميع ومعاونة السلطات على اختلافها في تأدية وظيفتها والسهرعلى تنفيذ القوانين والنظم التي تصدرها الادارة العامة. وهي مكلفة خصوصا ان تسهر على الامن في القرى وان تحمي طرق المواصلات واجراء مراقبة دائمة ورادعة والمحافظة على السجون ودور الحكومة وعلى مقر رئيس الدولة ومصارفها وصناديق اموالها، وهي مهام تتشابه مع مهام قوى الأمن الداخلي في أيامنا هذه.
كانت المهام الأبرز للبوليس الإشراف على تحصيل الضرائب وعلى نظام المقامرة ومراقبة الاماكن المخصصة لها


وكانت الجندرمة ترسل المحاضر والافادات الى السلطة العدلية في الشؤون التي تستوجب اجراء تعقّبات، والى السلطة الادارية في الامور المتعلقة بالنظام والامن العامين. كما حدد بشكل واضح أن هدف الضابطة الإدارية هو تأمين الراحة في البلاد وحفظ النظام وتنظيم القوانين والانظمة الصادرة عن الادارة العامة. أما غاية الضابطة العدلية فقد حددها المرسوم بأنها البحث عن الجنايات والجنح والقباحات وجمع أدلتها وتسليم مرتكبيها الى المحاكم المنوط بها امر عقابهم. وبعد سنة، صدر مرسوم بمنح مكافأة لكل جندي من جنود الجندرمة ينظّم محضرا بتحقيق مخالفة الصيد البري، ما يدل على توسيع مهمات الجندرمة.





قانون الشرطة


بعد الاستقلال، صدر قانون الشرطة العام سنة 1943، وحدّد المرسوم الاشتراعي الرقم 341/1943 الصادر عن الرئيس ألفرد نقاش مهماتها بين ضابطة إدارية أعطاها اسم الشرطة الإدارية، وضابطة قضائية أسماها الشرطة القضائية وحدّد مهمتها بالسهر على إقرار السكينة وحفظ الأمن وتوفير الراحة وحماية الأنفس والأعراض والأموال. خضع هذا المرسوم الاشتراعي لعدة تعديلات وإلغاء كامل في الأعوام 1953 و1955 و1959 و1967 إلى أن صدر اتفاق الطائف ما استدعى تعديلا جديدا بموجب القانون 17/90 الصادر عام 1990 تحت عنوان قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي.


الضابطة الإدارية والضابطة العدلية
تعني أعمال الضابطة الإدارية أن تقوم قوى الأمن بما يُعرف بضبط المخالفة وإبلاغ القضاء المختص بها وتنفيذ تعليماته. وحين يطلب القضاء من قوى الأمن إجراء التعقّبات او التحقيق بشأن جريمة ما، فإن النيابة العامة تقوم بالتحقيق بواسطة أحد القضاة الذين بإمكانهم أن يقوموا بالمهمة بواسطة أفراد إحدى القوى الأمنية، بما فيها قوى الأمن الداخلي، كأفراد للضابطة العدلية تحت إشراف القضاء المختص.
تقوم الضابطة العدلية، وعلى رأسها قوى الأمن الداخلي، بالمهمات التي تكلفها بها النيابة العامة، بما فيها الاستقصاء عن الجرائم وجمع المعلومات والتحريات اللازمة وصولاً إلى كشف الفاعلين والمساهمين وجمع وضبط الأدلة والمواد الجرمية. ولها، في سبيل ذلك، الحق باستعمال كافة الوسائل التقنية والعلمية للوصول الى الهدف المنشود.
في حالة أعمال الضابطة العدلية، تقوم القوى الأمنية بتنفيذ تعليمات القضاء والتقيد بتعليماته ما يحتم عليها القيام بإطلاع النيابة العامة أو القاضي المختص على ما تقوم به، وعدم القيام بإجراءات التفتيش أو توقيف المشتبه به إلا تنفيذا لأوامره، تحت طائلة الملاحقة بجريمة حجز الحرية المنصوص عنها في المادة 367 من قانون العقوبات والعقوبة المسلكية.
يستعمل القانون عبارة مؤازرة قوى الأمن للسلطات العامة في تأدية وظائفها، للتعبير عن دور قوى الأمن في تأمين أعمال الضابطتين الإدارية والقضائية. فالضابطة الإدارية تعني استعمال الوسائل اللازمة والرادعة المجازة قانوناً لحفظ النظام والأمن ومنع وقوع الجرائم والتحري عنها قبل وقوعها وقمع المخالفات وحماية الأشخاص والممتلكات ومؤازرة باقي إدارات ومؤسسات الدولة في تنفيذ مهماتها. أما الضابطة العدلية فتعني البحث والتقصي عن الجرائم واكتشاف مرتكبيها وصولا إلى توقيفهم وسوقهم الى العدالة عبر تسليمهم للسلطات القضائية وضبط الأدلة، إضافة الى تنفيذ الأحكام القضائية والمذكرات العدلية وتنفيذ التكاليف والانابات القضائية الصادرة عن القضاء.