وزير العدل ليس رئيساً للقضاة، بل هو المواكب لحسن سير العمل القضائي، كما يُفترض في الدول، ووزارة العدل ليست إدارة تضم مجموعة موظفين فحسب، وليس القضاة موظفين تابعين لهذه الوزارة، ولا هم يأتمرون بتعليمات «صاحب المعالي».صلة وزير العدل بالقضاة يقتضي أن تنطلق من مديرية شؤون القضاة والموظفين التي يرأسها موظف اداري برتبة مدير، وتتولى العناية بشؤون القضاة والمساعدين القضائيين والموظفين لدى وزارة العدل ومحامي الدولة والخبراء ووكلاء التفليسة ومراقبي الصلح الاحتياطي وشؤون الكتاب العدل ومراقبتهم. أما وزير العدل فهو رأس الوزارة، كما عرّفته المادة 66 من الدستور المعدلة في العام 1990، حيث اعتبرت أن الوزير يتولى مصالح الدولة ويناط به تطبيق الأنظمة والقوانين بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به والوزير هو رئيس ذاك المدير الذي يتولى العناية بشؤون القضاة ويهتم بأمورهم وشجونهم ويعالج مشاكلهم، وليس هو المشكلة.

(مروان بوحيدر)

لم يجعل المرسوم الاشتراعي لتنظيم وزارة العدل من الوزير رئيساً للقضاة ولا أميناً على العدالة، ولكنه جعل منه محور العمل القضائي، بمعنى أن يحرص على انتظام العلاقة بين السلطة التنفيذية، أي مجلس الوزراء، والسلطة القضائية التي يقتضي أن يمثلها مجلس القضاء الأعلى، وأن لا يسمح بالافتئات من سلطة على أخرى، وأن يلجأ الى التدخل كلما وجد تدخلا في عمل القضاء لا أن يتدخل في هذا العمل.
إن المدير العام لوزارة العدل بصفته مرؤوسا من وزير العدل حين ينسق المهام بين الوحدات التابعة له حسب ما يقتضيه سير العمل، لا يفعل ذلك بصفته مشرفاً على متابعة أعمال القضاة. فالقضاة ليسوا من الوحدات التابعة لا للوزير ولا للمدير العام. وحين يلحق وزير العدل بقرار منه قضاة لمعاونته في درس وتهيئة الملفات القانونية المعروضة عليه، فإن ذلك لا يجعله رئيسا للقضاة.

صلاحية إعادة النظر
حين تبدي هيئة التشريع والاستشارات رأيها في مشاريع القوانين والمراسيم الاشتراعية والمراسيم والقرارات التنظيمية والتعاميم ومشاريع المعاهدات والاتفاقات الدولية، فإنه يعود للوزير او للمدير ان يقرر عرض القضية على الهيئة الاستشارية العليا لاقرار صيغة النص بشكل نهائي، وكأن رأي الهيئة ليس نهائياً الا بموافقته مع مدير عام وزارة العدل.
أما الهيئة الاستشارية العليا التي يرأسها المدير العام لوزارة العدل، وعضوية كل من رئيس هيئة التشريع والاستشارات ورئيس هيئة القضايا ورئيس معهد الدروس القضائية، فهي تنظر في كل قضية هامة يعرضها عليها وزير العدل، وتقدير الأهمية وتقريرها يعودان لوزير العدل الذي يمكن أن يترأسها بنفسه، بعد أن يطلب مجلس الوزراء الرأي في مسألة مهمة، وينضم اليها رئيس مجلس شورى الدولة واثنان من رجال القانون يعيّنهم مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل. ولدى تغيّب أحد رئيسي الهيئتين يمكن لوزير العدل، بقرار منه، أن ينتدب أحد القضاة الملحقين بالوزارة لتصريف أعمال هذه الهيئة.
رئيسا هاتين الهيئتين لا يرفعان التقاريرالسنوية الى وزير العدل مباشرة بل بواسطة المدير العام لوزارة العدل الذي بإمكانه أن يضمنه جميع الملاحظات والاقتراحات التي يراها مناسبة.

صلاحيات ادارية وتنظيمية
وزير العدل هو المسؤول المخوّل بانتداب أحد القضاة الملحقين بالادارة المركزية لوزارة العدل للعمل في وظائف قانونية لدى مختلف الادارات والمؤسسات العامة والبلديات، وله ان يعود عن هذا التدبير في اي وقت كان، وهو الذي يعلّل هذا القرار أو لا يفعل، فلن يسأله أحد. فالمرسوم الاشتراعي المتعلق بتنظيم وزارة العدل أولاه هذه الصلاحية.
وحين أعطى المرسوم الاشتراعي وزير العدل صلاحية توزيعهم على المحاكم، فإن ذلك كان بصفتهم موظفين يسهرون على العدالة حين يعاونون القضاة في مهامهم.

السجون
قد تكون الصلاحية الهامة التي يتناساها معظم الوزراء هي الاهتمام بمديرية السجون التي تُعنى بشؤون السجناء ورعايتهم وتأهيلهم وتطبيق أنظمة السجون، في حين أن وزارة الداخلية تشرف على السجون وتديرها من دون تدخل من وزارة العدل. فهذه المديرية يرأسها موظف يعيّن بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل، ويمكن لوزير العدل ان ينتدب احد القضاة للقيام بمهام الادارة المذكورة، على ان يبقى تابعاً لسلكه القضائي، بالإضافة إلى مصلحة اصلاح الاحداث المنحرفين ومصلحة الطب الشرعي والأدلة الجنائية.

التشكيلات القضائية
أكثر ما يهتم به معظم وزراء العدل أو الطامحون لهذه الوزارة هو المناقلات القضائية. فالتشكيلات القضائية ومشروع المناقلات والالحاقات والانتدابات القضائية الفردية او الجماعية تُعرض كلها على وزير العدل للموافقة عليها، ولا تصبح التشكيلات نافذة إلا بعد موافقة وزير العدل، وهي تصدر بمرسوم بناء على إقتراحه وكل قرارات مجلس القضاء الأعلى تُرفع فور اتخاذها لوزير العدل.
وإذا ما شاء قاض أن يعقد جلسات خارج مراكزها، فإن القرار يكون لوزير العدل لأن الترخيص لغرف واقسام محاكم الدرجة الاولى بعقد جلساتها خارج مركزها في اماكن تحدد بقرار يتخذه وزير العدل، بعد استشارة مجلس القضاء الاعلى.

الآمر بالشورى
رغم أن نقل القاضي من مجلس الشورى الى ملاك احدى الوزارات او الادارات العامة او المؤسسات العامة، لا يكون إلا بموافقته، وبعد موافقة مكتب المجلس، ولكن يقتضي استصدار مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل والوزير المختص. والوحيد المخول لعرض هذا الأمر على مجلس الوزراء هو وزير العدل.
كما أنه يحق لوزير العدل ان يدعو مكتب مجلس شورى الدولة الى الانعقاد لبحث مسألة معينة، وتتضمن الدعوة موعد الاجتماع وجدول الاعمال.
لم تكتف القوانين بإعطاء صلاحيات لوزير العدل تتعلق بتوزيع الموظفين أو بالأعمال في ما بينهم، بل أن تأليف الغرف وتوزيع الاعمال عليها يكون بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح مكتب مجلس شورى الدولة.
عملا بنظام شورى الدولة - القانون المنفذ بالمرسوم رقم 10434 تاريخ 14/06/1975 المتعلق بنظام شورى الدولة.

المصادقة على اختيار الخبراء
أن جدول الخبراء ووكلاء التفليسة ومراقبي الصلح الاحتياطي الذين تعينهم المحاكم يخضع لمصادقة وزير العدل بعد أن يضعه مجلس القضاء الأعلى، وكذلك الشروط العلمية او الفنية اللازمة لأي نوع من انواع الخبرة التي تُحدّد بموجب مرسوم، فإنها تتم بناء على اقتراح من وزير العدل بعد استشارة مجلس القضاء الاعلى.

معهد الدروس القضائية
المعهد الذي يُعيّن رئيسه ومدير الدروس فيه باقتراح من وزير العدل، لا يصبح نظامه الداخلي نافذا الا بعد اقترانه بموافقة وزير العدل. ورغم أن معظم القرارات تصدر بعد توصية او ترشيح او اقتراح من المدير أو الرئيس أو استشارة المجلس الاستشاري، فإن وزير العدل هو الذي يقرر من يلقي الدروس والمحاضرات، ويقرر تنظيم الامتحانات وتحديد العلامة لكل مادة من المواد ومعدل النجاح والأوقات المخصصة للامتحان وتعيين مواضيع كل مادة من مواد المنهاج وتوزيعها على السنوات الثلاث.
صلة وزير العدل بالقضاة يقتضي أن تنطلق من مديرية شؤون القضاة والموظفين

فهي كلها تحدد أيضا بقرار من وزير العدل الذي يحق له بقرار منه أن يسمح لغير القضاة المتدرجين والاجانب الانتساب الى المعهد بالشروط التي يعينها النظام الداخلي، وذلك بناء على توصية رئيس المعهد واقتراح المدير العام. كما يمنح الناجح منهم في نهاية الدراسة شهادة خاصة يوقعها وزير العدل ورئيس المعهد.
وكذلك الأمر بالنسبة لمباريات كتاب العدل، فوزير العدل هو الذي يضع نظام المباراة ويحدد المواد القانونية التي تجري عليها.
كما يعيّن وزير العدل مجلس إدارة الصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين المؤلف من رئيس وأربعة أعضاء لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وتخضع قراراته لمصادقة الوزير، كما يمارس الوصاية الادارية على صندوق تعاضد القضاة الذي يرتبط بوزير العدل.



بناءً على اقتراح وزير العدل...
إن المأمول من كل من يطمح لوزارة العدل أن يهتم بقانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لـمكافحة الفساد الذي أولى الوزير صلاحية اقتراح كيفية تطبيق هذا القانون عند الاقتضاء بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل.
قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لـمكافحة الفساد رقم 175 تاريخ 08/05/2020 أو يمكن للطامحين أن يعتنوا بقانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي المعطل تطبيقه لأن الأسناد الرسمية الالكترونية لا تنتج اية مفاعيل قانونية الا بعد اقرارها وتنظيمها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير العدل، والمطلوب تفعيله باقتراح وزير العدل هذا المرسوم على مجلس الوزراء لإقراره.
فكلاهما يصبّان في هدف واحد هو مكافحة الفساد، سيّما أن المكننة تقضي على أحد أكبر أسباب الرشوة، وهي العلاقة المباشرة بين الموظف والمواطن.
المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي القانون رقم 81 تاريخ: 10/10/2018


ماذا لو لم يقترح الوزير؟
الوزير يقترح على مجلس الوزراء مشاريع القرارات والمراسيم التي يحتاجها حسن سير العمل القضائي، ومنها اقتراح ما يلي:
- الأنظمة الخاصة لمعهد الدروس القضائية
- تعيين مدير عام وزارة العدل.
- تعيين رئيس هيئة التشريع والاستشارات.
- تعيين رئيس هيئة القضايا.
- تعيين القضاة الذين يعاونون رئيس الهيئة.
- التعاقد مع المحامين المتعاقدين الذي يعاونون رئيس الهيئة. فالوزير هو الذي يتعاقد معهم رغم أن الصيغة النهائية للعقد تُعطى بمرسوم.
- تعيين المساعدين القانونيين الملحقين بالمدير العام وبهيئتي القضايا والتشريع والاستشارات.
- تحديد تعويضات كل من رئيسي هيئة القضايا والتشريع والاستشارات والقضاة العاملين في وزارة العدل وأعضاء الهيئة الاستشارية العليا.
- تنظيم مديرية السجون وتحديد مهامها وصلاحياتها وملاك الموظفين فيها.
- تعيين مدير لمديرية السجون.
- نقل القاضي من مجلس الشورى الى ملاك احدى الوزارات او الادارات العامة او المؤسسات العامة.
- التشكيلات القضائية.
- الشروط العلمية او الفنية اللازمة لأي نوع من انواع الخبرة القضائية.
- تعيين رئيس معهد الدروس القضائية ومدير الدروس.
ولكن، يتبادر إلى ذهن كل متابع للعمل القضائي السؤال التالي: ماذا لو لم يقترح الوزير إلا ما يشاء وفق ما يناسب مصلحته السياسية لا وفق المصلحة العامة؟ هل يحق له أن لا يقترح إلا ما يناسب هذه المصلحة؟