لا يزال رجا سلامة موقوفاً في نظارة قصر العدل في بعبدا، في انتظار المواجهة المرتقبة الاثنين المقبل مع شقيقه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيما استنفر أركان السلطة للجم القرار المتوقع أن تصدره مدعية جبل لبنان القاضية غادة عون في حال عدم حضور الحاكم. وبما أنه لن يحضر، فالمتوقع أنّ تدّعي عليه بجرم تبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتصدر في حقه مذكرة جلب أو إحضار، وأن تحيل شقيقه موقوفاً أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور.في ضوء هذه الوقائع ، «انتفض» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ودعا إلى جلسة طارئة لمجلس الوزراء بعنوان وحيد مُعلن: «وضع آلية للتعاطي القضائي مع ملف المصارف»، من دون أي مراعاة لمبدأ فصل السلطات. وهي الدعوة التي علّقت عليها عون في تغريدة جاء فيها: «الحكومة بدها توضع آلية للتعاطي القضائي مع المصارف، يعني لازم نعطيهم قوس المحكمة تيقعدو محلنا ويقرروا عنا كيف يطبق القانون»، داعية قضاة لبنان إلى الانتفاض لكرامتهم ولسيادة القانون لحماية الضعيف والعدالة.
وقد حضر ملف المصارف في الاجتماع الذي عُقِد بين الرؤساء الثلاثة أمس في قصر بعبدا لمناقشة ملف ترسيم الحدود البحرية. إذ أراد ميقاتي الضغط للوصول إلى حل، في ظل الاجتماعات المفتوحة لجمعية المصارف وتلويحها بالإضراب. لذلك فاتح عون وبري بالأمر، مؤكداً أن ما يحصل يهدد الواقع الاجتماعي والاقتصادي والمالي، فلاقاه بري بالقول إن ما يجري «هو كرة نار قبل الانتخابات». وهنا طرح ميقاتي عقد جلسة لمجلس الوزراء واستدعاء كل من مدعي عام التمييز غسان عويدات ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد. وافق الثلاثة ميقاتي وبري وعون، لكن الأخير اشترط أن تكون الجلسة في السراي الحكومي لا في بعبدا.
وفيما أشارت مصادر إلى أن ميقاتي اقترح على رئيس الجمهورية تعيين بديلين عن عويدات وعبود، شرط إبعاد مدعية جبل لبنان عن ملف المصارف، أكدت مصادر مقرّبة من رئيس الجمهورية استحالة قبوله بهذا الطرح.
وعلمت «الأخبار» أن ميقاتي التقى بعد ظهر أمس وزير العدل هنري خوري، واعترض على ممارسات بعض القضاة، وكرر أمامه أمر استدعاء القضاة إلى مجلس الوزراء والطلب إليهم استلام هذه الملفات، لكن وزير العدل لم يكن مؤيداً، معتبراً أن الجلسة لن تخرج بنتيجة، وأن وزارة العدل ترفض التدخل في القضاء، مشيراً إلى أن «القضاة سيؤكدون عدم وجود سلطة لهم على القضاء المدني وأن هذه الملفات تذهب إلى رؤساء دوائر التنفيذ ولا مجال للتدخل في عملهم»، بينما حاول ميقاتي إيجاد تخريجة واضعاً تدخل القوى السياسة لحماية المصارف في إطار «التعاون مع السلطة القضائية». وكان ميقاتي التقى خوري أول من أمس، وطلب منه اتخاذ إجراءات والطلب من مدعي عام التمييز الإمساك بالملفات، لكن وزير العدل لم يكُن مؤيداً. فيما أكدت مصادر قريبة من عويدات أمس أنه قادر فقط على الالتزام في حال صدر قرار عن مجلس الوزراء مجتمعاً يلزمه «اتخاذ الإجراءات المناسبة». وعلمت «الأخبار» أنّ رئيس الحكومة، الذي كان أبلغ عويدات سابقاً أنّه مستعدٌ لفرط الحكومة في حال ادعائه على رياض سلامة أو توقيفه، التقى الأربعاء بمدعي عام التمييز وطلب منه سحب الملف من يد عون، «مهدّداً» بإطاحته من منصبه. إلا أن الأخير أجابه بأنّه لن يفعل كي لا يظهر بمظهر حامي الفساد الذي يتدخّل في عمل قاضية تحارب الفساد. وعندما عرض ميقاتي على عويدات التدخّل لتجميد قرار عون أو أن يطلب منها التريّث، جدد الأخير رفضه مؤكداً أنّه يقف في صف عون هذه المرة، وطلب من رئيس الحكومة أن يجد حلاً عبر مجلس الوزراء، وليس عبر استخدامه ككبش فداء.
مصادر بعبدا: شأن القضاء للقضاء وإذا طلب مجلس الوزراء وقف التعقبات فهذا إشارة إلى انحلال مفهوم الدولة


ووسط معطيات عن مداخلات مع الرئيس عون من قبل مرجعيات روحية ومصرفية تطلب منه دعم توجه ميقاتي بوقف الملاحقات القضائية، وصفت مصادر بعبدا الجلسة بأنها «في موقع غير مألوف، لناحية مبادرة سلطة سياسية باسم المصلحة العليا إلى التطرق إلى موضوع قضائي بامتياز. ومن غير الجائز تدخل السلطة السياسية في القضاء. والخوف من أن تتخذ هذه الجلسة منحى تصادمياً يؤدي إلى انتفاضة قضائية جراء تدخل السلطة السياسية في عمل القضاء». وأشارت إلى أنه «من الممكن أن تعمد السلطة السياسية إلى إحاطة القيادة القضائية ببعض الإرشادات والتوجيهات وأن تضع مجلس القضاء الأعلى في صورة بعض الأمور المصرفية ووضع صندوق النقد والوضع النقدي ووضع المودعين. لكن يجب أن يبقى شأن القضاء للقضاء، وإذا ذهب مجلس الوزراء إلى أكثر من ذلك، أي طلب فك الارتباط أو وقف التعقبات، فهذا إشارة إلى انحلال مفهوم الدولة والمبادئ الأساسية في الديموقراطية البرلمانية التي تحكم نظامنا السياسي». ولذلك، «يجب أن توائم جلسة اليوم بين المصلحة اللبنانية العليا أو الوضع المصرفي والنقدي المتأزم ودور القضاء، كأن يوضع القضاء في أجواء ما قد يتصل بعمله أو يدخل في اختصاصه من أمور تتعلق بمصلحة لبنان العليا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والمالية والنقدية وليس أكثر من ذلك». وخلصت إلى «أننا من القائلين بضرورة انتظام العمل القضائي الذي يجب أن يتم عبر مجلس القضاء الأعلى ومع وزير العدل، وإذا كان القضاء غير قادر بقيادته الحالية على تحقيق ذلك يجب أن يوضع أمام مسؤولياته، ولكن في الوقت نفسه يجب أن تقف السلطة السياسية عند حدّ وألا تخطو أي خطوة نحو التدخل في عمل القضاء والدفع نحو شرذمته».
ووصفت مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر الجلسة بأنها «هجمة لا قانونية لفرملة، وحماية متجددة من المنظومة السياسية للمنظومة المالية». وأضافت: «كما أنه لا يحق للقضاء التعسف في إجراءاته، لا يحق للمصارف تهديد الناس بقطع رواتبهم. نحن مع حماية القطاع المصرفي، ولكن مع أن يقوم بعمله بشكل سليم».

إضراب «البنكرجية»
في غضون ذلك، كانت جمعية المصارف تعقد اجتماعاً طارئاً لدرس الملف من جوانبه المتعلقة بإجراءات القاضية عون وبالقرارات التي تلزم المصارف دفع مستحقات المودعين. وقررت تنفيذ إضراب تحذيري الاثنين والثلاثاء المقبلين، في خطوة قال مصرفيون إنها تهدف إلى إحراج الحكومة والسياسيين والناس أيضاً. وقال هؤلاء إنهم يعتقدون بأن على السياسيين تحمل مسؤوليتهم وألا يبقوا بمنأى عن المشكلة التي تتركّز حالياً على أبوابهم. فالقرارات القضائية تضع المصارف في وجه الجمهور والزبائن بينما أصل المشكلة، كما يرويها «البنكرجيون»، متّصلة بمن سرق الأموال وأهدرها، أي السياسيين. ويقول هؤلاء إن السرقة تمّت بين مصرف لبنان والدولة، وكان دور المصارف وسيطاً. هذا ما ردّده «البنكرجيون» في الجمعية العمومية التي انعقدت أمس وخارجها أيضاً. إنما كان هناك كلام آخر تردد بينهم أيضاً، عن أن الإضراب خطوة في المجهول لأنه عبارة عن ردّ فعل، وليس مبنياً على استراتيجية واضحة تحدّد الخطوات التالية والأهداف. بل إن الجمعية تنساق وراء بضعة مصارف لديها رغبة في الإضراب، فيما الآخرون ليسوا قادرين على وقف هذا المسار لأن لا بدائل لديهم.
بالاستناد إلى هذه المقاربة، تطالب جمعية المصارف بثلاثة بنود أساسية: كابيتال كونترول في أسرع وقت ممكن، إقرار خطّة تعافٍ والمباشرة بتنفيذها، تأمين سيولة بالليرة اللبنانية للمصارف. وقد عبّرت الجمعية العمومية للمصارف عن ذلك في بيان أمس أشارت فيه إلى أن الإضراب هو خطوة تحذيرية «ضدّ التعسف» في أربعة بنود أساسية: تطبيق السياسات المالية، بعض القرارات القضائية، لاستمرار الاقتصاد الوطني وأنظمة الدفع النقدي، التدابير النقدية.
وترجم البيان سخط المصارف لائماً الدولة ومصرف لبنان لأنهما يمتنعان عن «تسديد موجباتهم وتحمّل مسؤولياتهم تجاه المصارف والمودعين»، ولفت إلى أن «التدابير النقدية وضعت المصارف في مواجهة المودعين خصوصاً الذين وطّنوا رواتبهم لديها، فحُرمت المصارف من السيولة النقدية التي تسمح لها بتلبية طلباتهم بقبض رواتبهم نقداً». أما في ما خصّ القضاء، فقد شكّك البيان في «مغزى بعض القرارات القضائية والإدارية التي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من السند القانوني والمصلحة العامة، وقد تنبثق من الشعبوية ومن التوجه لتأجيل المعالجة الصحيحة»، مستغرباً أن يكون القضاء قد اعتبر أن الشيك ليس وسيلة إيفاء إبرائية.