رغم أن وزارة البيئة، بحسب قانون إنشائها، هي المعنية بحماية الحياة البرية، أتت التعديلات على قانون الصيد البري قبل إقراره عام 2004 من وزارة الزراعة التي كانت الوصاية لها على هذا الملف. وهي تعديلات لم تخل من تدخل أصحاب مصلحة يميلون إلى فكرة «الاستثمار» في الحياة البرية لا حمايتها.قبل ذلك، أخذت وزارة البيئة، منذ إنشائها عام 1993، قراراً بمنع الصيد انسجاماً مع سعيها لإنشاء محميات طبيعية. إلا إنها بعد تعديل القانون لينص على تنظيم الصيد لا منعه، بدأت الإعداد لإصدار مراسيم تنظيمية للقانون، وفتحت موسم الصيد على مدى 4 سنوات آخرها العام الماضي، قبل أن يمتنع وزير البيئة ناصر ياسين، هذا العام، عن افتتاح ما يسمى «الموسم»، ليس بسبب عدم اكتمال نصاب المجلس الأعلى» للصيد فقط، بل لإعادة تقييم قرار المنع وقرارات التنظيم والاطلاع على الدراسات المتعلقة بوضع الطيور والتنوع البيولوجي، ولإعادة تقييم القانون نفسه وما إذا كان ينسجم مع حماية التنوع البيولوجي.
معظم التقارير التي صدرت في السنوات الأخيرة عن وزارة البيئة، وغيرها من جهات أكاديمية وأهلية، أكّدت أن أوضاع البيئة في لبنان في تراجع دراماتيكي على كل المستويات، ناهيك عن أن العالم يتعرّض لتغيرات مناخية مدمّرة مع زيادة حرائق الغابات التي تقضي على كثير من موائل الطيور وغيرها. ومع توقع أن يعود العالم إلى «رشده» بعد حصول الكوارث البيئية والمناخية، يمكن للبنان أن يحفظ لنفسه قيمة تفاضلية عبر حماية الأنواع التي يمكن أن تشكل قيمة مهمة للمستقبل، إن لجهة ديمومة الموارد والحياة أو لناحية تأمين عوائد مهمة من السياحة البيئية في بلد تشكّل بيئته وتنوع كائناته وطيوره أهم مقومات رأسماله الطبيعي.
لا افتتاح لـ«موسم» الصيد البري قبل إعادة تقييم القانون


وفي تقييم أولي لعائدات «تنظيم» الصيد وإعطاء التراخيص في السنوات الأربع الماضية، تبين أن العائدات كانت بما يقارب 4 مليارات ليرة، في حين أن منع الصيد وحماية الطيور واعتبار مراقبتها (لا سيما الأنواع النادرة) من ضمن السياحة البيئية وعائدات المحميات، يمكن أن يدخل أضعاف هذا المبلغ بشكل مستدام، بالمقارنة مع ما يتسبب به الصيد من انقراض هذه الأنواع على المدى البعيد. هذه الأفكار وغيرها نوقشت الأسبوع الماضي في ورشة عقدت في وزارة البيئة، شارك فيها ممثلون عن الصيادين ولجان المحميات وجمعيات تعنى بالبيئة والطيور وخبراء وأكاديميين. وخرجت الورشة باستنتاجات عدة، أهمها أن وضع الطيور في لبنان مهدد لأسباب عدة تشمل، إلى جانب الصيد العشوائي والمنظّم، تلوث مياه البحيرات والأنهار وازدياد حرائق الغابات السنوية بما يُهدّد موائلها وزيادة استخدام المبيدات وانتشار مكبات النفايات… الخ مما يجعل أي زيادة في الصيد البري تهديداً لحياة الكثير من الأنواع النادرة وسبباً في اختلال في الأنظمة الإيكولوجية لا يمكن تعويضه. لذلك، كان ثمة إجماع على ضرورة إعادة النظر في قانون الصيد الذي تم تعديله عام 2004. وبما أن القانون أصبح منذ ذلك الوقت تحت وصاية وزارة البيئة وتم فتح موسم الصيد لفترة أربع سنوات، تحتاج إلى مزيد من التقييم، يحتم ذلك إعادة النظر في القانون وفقاً لمهام هذه الوزارة واستراتيجيتها ورؤيتها لحماية الحياة البرية. كما أوصى المجتمعون بضرورة إجراء تقييم دوري لوضع الطيور والحياة البرية وللأعداد والأنواع، وبتعديل القانون ليصبح في جوهره معبراً عن كيفية الحماية وليس الاستثمار، وإعادة النظر بالمجلس الأعلى للصيد ودوره وعضويته، ووقف تضارب المصالح داخله. كما كانت هناك توصية بضرورة إيجاد غرفة في وزارة البيئة تنسق بين كل المهتمين بحماية الطيور ومراقبتها ودراستها لجمع المعلومات وتحديد لائحة حمراء خاصة بلبنان، على أن تشمل الورشة المقبلة ممثلين للقوى الأمنية والوزارات المعنية. ولعل التوصية الأهم التي تحفّظ عنها ممثل اتحاد مجموعات الصيد الإلكترونية، عدم فتح الموسم المقبل للصيد البري في انتظار إنجاز هذه الدراسات والتعديلات.



41 نوعاً مهددة
يقع لبنان على خط الهجرة الرئيسي للطيور التي تتنقل بين القارات الثلاث (أوروبا، آسيا وأفريقيا)، ما يعني أن عدداً كبيراً من الطيور وأنواعها يمر عبر لبنان أو يمضي الشتاء فيه كل سنة. وفي السنوات الأخيرة، تم تسجيل نحو 409 أنواع من الطيور، بين مقيمة ومهاجرة وزائرة خلال الفصول الأربعة، من بينها 41 نوعاً مهددة أو شبه مهددة بخطر الانقراض جراء الإهمال (الصيد الجائر، والتلوّث والاتجار غير الشرعي...).


جذب سياحي
تجذب الطيور هواة مراقبة الطيور من حول العالم، وتشكل مادة للسياحة البيئية التي تساهم بدورها في دعم الاقتصاد وزيادة الدخل الوطني.


حافظة التوازن


تلعب الطيور دوراً مركزياً في حماية التنوع البيولوجي والتوازنات الدقيقة من أجل ديمومة الحياة عامة. إذ تساهم بعض أنواعها في إعادة تشجير الغابات والبساتين من خلال توزيعها بذور الأشجار، كطائر الكيخن الذي يساهم في انتشار شجر اللزاب، وطائر الأبو زريق الذي يخفي ثمار البلّوط في الأرض ليأكلها لاحقاً، فينمو بعضها أشجاراً. كما تنظّف بعض الطيور (كالنسور وغيرها من الطيور الجارحة) الطبيعة من جيف الحيوانات النافقة التي تنشر الأمراض. وخلال النهار تأكل طيور اللقلق والجوارح الأفاعي والقوارض والجرذان التي تفتك بالمحاصيل الزراعية… وتقوم طيور البوم بالمهمة نفسها ليلاً. كذلك، تقضي بعض أنواع الطيور على الحشرات والديدان الضارّة بالمزروعات، وتقلّل الحاجة إلى استعمال مبيدات الحشرات السامة التي تؤدي إلى أمراض سرطانية وعصبية خطيرة. وتعزز من نوعية المنتجات الزراعية. ويساعد بعض الأنواع في القضاء على دودة الصندل التي تفتك بشجر الصنوبر والأرز فتحمي الغابات والثروة الحرجيّة، فيما يلقّح بعضها الأزهار والأشجار كعصفور الشمس الفلسطيني الذي ينقل حبوب اللقاح من زهرة لأخرى.