ما الاحتمالات التقنيّة في حال توصّلت المفاوضات القائمة إلى اتّفاق ورُسّمت الحدود البحريّة ونتجت عن حقولٍ متداخلة مع المنطقة الاقتصاديّة الخالصة الفلسطينيّة؟ التالي تصوّر عن تلك الاحتمالات:1 – أن تقوم شركة توتال بضوءٍ أخضرٍ من الحكومة الّلبنانيّة بإعداد خطّة تطويرٍ وانتاجٍ متعلّقة بالتجزئة مع المشغّل في الطرف الآخر (إنيرجيان أو شيفرون أو أيّ مشغّل آخر) يتمّ على أساسها تطوير وإنتاج الحقول على طرفيّ الحدود. هذا الاحتمال الملحوظ في اتّفاقيّة التنقيب والإنتاج بين الدولة اللبنانيّة والكونسورتيوم. هذا الاحتمال يتطلّب تنسيقاً تقنيّاً مع العدو على مستوياتٍ مختلفة، ولو عبر طرف ثالث، للحفاظ على حصّة لبنان في غازه من التآكل.
2 – أن يُتّفق من ضُمن ما يتّفق عليه في هذه المفاوضات على أن تقوم شركة عالمية ذات خبرة تنقيب وإنتاج في المياه شديدة العمق بتطوير حقول الغاز على جانبيّ الحدود، ممّا لذلك من مصلحةٍ اقتصاديّةٍ مشتركةٍ للطرفين. وهذا المآل، كالأوّل، يتطلّب نفس درجة التنسيق مع "العدوّ" للحفاظ على حقوق لبنان، وما قد ينطبق على الاحتمال الأوّل من مصاديق التطبيع، ينطبق قطعاً على الثاني.

علماً أن قانون مقاطعة إسرائيل الصادر في 23 حزيران 1955 يجرّم أي تعامل مباشر أو غير مباشر مع العدوّ الإسرائيلي أياً كانت طبيعته.

3 – أن يمنع العداء مع العدو أيّ نوع من الاتّفاقات التي قد تُغلِّف تطبيعاً في مندرجاتها ومضامينها وإن كان عنوان التطبيع الحفاظ على "المصلحة الوطنيّة". ما المتوقع في هذه الحالة؟ ستركّز "إسرائيل" على تسريع الاستكشاف والتطوير في الحقول المشتركة وبخاصةٍ بغيابِ أيِّ عائقٍ قانونيٍّ أو أيّ تهديد يمنع الشركات من التنقيب في هذه المكامن الواعدة. هنا، تستطيع "إسرائيل" أن تعتمد، مثلاً، طريقةً لتسريع الانتاج من هذه المكامن عبر ربط الآبار التي قد تُحفر فيها بسفينة الانتاج العائمة (FPSO) في حقل كريش والتي يمكن رفع قدراتها الاستيعابيّة في حال تطلّب الأمر وبخاصة مع وجود مصلحة "إسرائيليّة" تقنيّة بتسريع الانتاج من المكامن المشتركة. تجدر الاشارة بأنّ الإنتاج بكمّيات مجهولة من الجهة الأخرى، في حال المكامن الممتدّة عبر الحدود، يُضاعف التحدّيات التقنيّة في ما يخصّ تقدير الاحتياط النفطي أو الغازي في الجهة اللبنانيّة والأهمّ كلفة الإنتاج من الجهة اللبنانيّة. فمع بدء الإنتاج من مكامن الغاز يبدأ الضغط بالانخفاض ممّا يستدعي تقنّيات إضافيّة لتعويض الضغط المنخفض وبالتالي كِلفاً إضافيّة. هناك إذاً أرجحيّة كبيرة وواضحة لِـ "إسرائيل" بحكم أسبقيّتها في المجال.

غنيٌّ عن القول إن الخطّ 29 يجعل حقل الغاز جنوب البلوك 9 كاملاً في المياه اللبنانيّة فيوفّر على لبنان التحدّيات المذكورة أعلاه بخصوص هذا الحقل. هذا لا يعني البتّة عدم إمكانيّة اكتشاف حقول أخرى متداخلة عابرة للخطّ 29 في البلوكات 8و9 و10 في طبقات جيولوجيّة مختلفة والتي سيشكّل تطويرها تحديات للدولة اللبنانيّة.