منذ بدء انتشار فيروس كورونا، اعتمدت معظم المدارس بقطاعيها الخاص والحكومي آلية التعليم عن بعد حفاظاً على السلامة العامة. تحديات وصعوبات وأعباء نفسية واجهت الأهالي والتلامذة عموماً. لكن المعاناة كانت مضاعفة لدى الأطفال المصابين بالتوحد.
تراجع طفل زهراء حسين كثيراً في فترة الحجر المنزلي. الطفل المصاب بالتوحّد لم يتأقلم مع التعليم عن بعد. عانت الأم من "عودة كل الحركات التكرارية والعصبية المفرطة التي كنا قد عملنا على التخلص منها سابقاً. فيما شهدت شخصيته تراجعاً كبيراً وأخذ يتهرب من الحصص التدريسية". اضطرت حسين لبذل مجهود إضافي مع طفلها المتوحّد. "مهما حاولنا تعبئة الفراغات والسعي لاكتساب الأهداف من جديد ستبقى الثغرات واضحة تملئ حياة أي طفل مصاب بالتوحد وليس ابني فقط".

زميلتها تانيا موسى عاشت فترة الحجر مع ابنتها ترايسي. "لا تنكر بأن الحجر سمح لها بمتابعة طفلتها أكثر ومنحتها الوقت لتبتكر وسائل لكسر الروتين". العمل المكثف لموسى جعل ترايسي "أكثر ليونة مع اكتساب عادات جديدة مثل التنويع في الأطعمة".

الجهد المضاعف الذي واجهه أهل الأطفال المصابين بالتوحّد لم يكن أقل مما واجهه الأساتذة والمدربين. متشعبة كانت التجربة التعليمية لهدى جوني الأستاذة في إحدى المؤسسات التعليمية التي ترعى اضطرابات التواصل واللغة. "لولا تعاون الأهالي لم يكتسب الأطفال الأهداف. حاولنا سوياً كسر الجمود من خلال التواصل بحسب الأدوات المتاحة لكن مواكبة الحلول لا تعوض بشكلٍ كلي عن التعليم المباشر" تقول.

تحتاج جوني دوماً لتدخل الأهالي خلال الحصص التدريسية، نظراً لغياب التفاعل في بعض الأحيان. "بالتعليم عن قرب نستطيع بالحس الحركي دعم الأطفال بشكلٍ مباشر، من خلال تعابير الوجه والتفاعل الجسدي، ومساهمتنا بتفريغ طاقاتهم. الأمر الذي انعكس سلباً على سلوك الأطفال داخل المنزل، ما أدى إلى تلقي شكاوى يومية جراء المعاناة. كان دوري في احتواء تلك المعاناة والتعب عبر تقديم الدعم وزيادة الأنشطة تدريجياً عبر تقييم كل حالة لتحقيق الأهداف التعليمية" تشرح.

تباينت قدرة التحمّل بين عائلة وأخرى خلال فترات الحجر الطويلة. فئة من استصعبوا متابعة أطفالهم بمفردهم في الحجر و في التعليم عن بعد، دفع مركز الشمال للتوحّد إلى كسر قرار الإقفال والعودة إلى الدوام للتواصل مع الأهل ومتابعة الأطفال عن قرب. بحسب مديرة المركز سابين سعد فقد علت صرخة الأهالي بعد مرور فترة على الاقفال. "لا شيء يعوض الطفل المصاب بالتوحّد عن اللقاء الشخصي ولأن الأهالي كانوا بحاجةٍ ماسة لنا اضطررنا للعودة ضمن فترة الإقفال". الضغط الذي تسبب به كورونا والحجر المنزلي الذي فرضه، عدل في خطط الجمعيات المتخصصة. في اليوم العالمي للتوحد، 2 نيسان، أطلق المركز بالتعاون مع الاتحاد الوطني للإعاقة حملة تمتد على مدى شهر نيسان تحت شعار "blue smiley is sad" . تركز الحملة على كيفية إعادة الضحكة لـ blue smiley، والذي يرمز لونه إلى اضطراب طيف التوحّد، كما تشير الحملة إلى التحديات التي واجهت أطفال التوحّد وذويهم خلال فترة الحجر المنزلي. "المعلومات حول اضطراب طيف التوحّد ما زالت خاطئة، ولهؤلاء الأطفال ولكل من يعمل معهم الحق والأولوية في أخذ اللقاح فهم فئة أساسية في المجتمع." تؤكد سعد.