في كلّ مرة يشهَد فيها لبنان تحركاً شعبياً في الشارع، يُطرح السؤال عن مدى قدرة هذا التحرك على إحداث تغيير أو خرق، أو حتى انقلاب على منظومة الفساد القائمة. وفي كل مرّة تتدّخل فيه «القدرة السحرية» لتخرّبه أو تجعله هزيلاً، يُسأل لماذا أي تحرك شعبي في البلاد ليسَ مكتوباً له النجاح؟ طبعاً لا يتعلّق الأمر وحده بأنّ التحركات المطلبية التي تحمل شعارات محقة، تفتقر في أحيان كثيرة إلى مساندة أولئك الذين يجلسون في منازلهم ويكتفون بمتابعة ما يحصل. علماً أن المطالبة بالماء والكهرباء ورفض الموت على أبواب المستشفيات، والشكوى من ارتفاع أسعار المحروقات وربطة الخبز لا تحتاج إلى استئذان. ولا يتعلّق الأمر أيضاً بسوء تنظيم أو الوصول إلى نقطة تفجّر تتصادم فيها الشعارات بين القوى «التغييرية» المشاركة. الأمر الآخر الذي يتوافر، تدخل السلطة في لحظة شعورها بالخطر. فالدولة تتصرف في بداية الأمر وكأنها جزء من التحرك الموجه ضدها. ويصل الأمر عند بعض القوى السياسية، لا بل أغلبها، إلى حدّ تبنّي الشعارات والاعتراف بأنها مطلب محق، لكن كأنها ليست الجهة المعنية بالاتهام، قبلَ أن تبدأ بشيطنة التحرك وتعمل على تفكيكه. كل ذلك يحدث تحت شعار «الحفاظ على الاستقرار في منطقة مشتعلة»! وتحت هذا الشعار، تردّ السلطة على سؤال عن موقفها من التحرك الذي دعا إليه الحزب الشيوعي ومجموعات مدنية ويسارية بدءاً من اليوم، في ظل توتر عالٍ تشهده البلاد على خلفية المواقف من القمة الاقتصادية المزمع عقدها في بيروت بعد أيام. ومع أن الحديث عن هذا التحرك يكاد يكون معدوماً من جهة السلطة، غيرَ أن في كواليس المناهضين له كلام كثير يسعى إلى «تشويهه».
حزب الله: لسنا في وارد استخدام أحد، والذين يتحركون لا ينتظرون إيعازاً منا

ففي تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ يصرّ مسؤولون على ربط التحرك بالوضع السياسي الراهن، وتفسيره على أنه رسائل موجهة إلى كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري. وتربط هذه الأوساط التحرك في الشارع بالمفاوضات المتوقفة بشأن تشكيل الحكومة والثلث المعطّل وتفاصيل أخرى. والغريب أن هذه الأوساط تلمّح إلى وقوف حزب الله وراء هذه التحركات، بهدف الإمساك بالشارع، وهي تهمة يرفضها الحزب، مؤكداً أن «من يعتقد ذلك، لا يقرأ شيئاً في السياسة». فحزب الله «ليس في وارد استخدام أحد، كما أن الذين يتحركون لا ينتظرون إيعازاً من الحزب». وفيما تكتفي حركة أمل بتأكيد أن «التظاهر حق لأي مواطن ولا يُمكن منع أي جهة تقرر التحرك»، تعتبر مصادر سياسية أن «أحزاب التسوية لا ترى نفسها معنية بالتظاهرات، لكنها تنتظر لتحدد حجم الحراك، بعدَ أن أفرزت الانتخابات النيابية الأخيرة الأحجام الفعلية للأحزاب». وفي هذا الصدد استغربت المصادر «بيان المطارنة الموارنة الأخير الذي لأول مرّة في التاريخ يؤكّد تفهّم نزول الناس إلى الشارع، وكأنه يحثهم على التظاهر. وهذا الأمر لم يحصل ولا حتى في عزّ الانقسام بين فريقي 8 و14 آذار».بمعزل عن الاتهامات والردود، لا بدّ من التوقف عند التعاطي البارد للسلطة مع هذا التحرك. وهو الذي يأتي في لحظة داخلية حسّاسة جداً. فالقمة الاقتصادية ومشكلة الوفد الليبي والعلاقة مع سوريا، وبينهما تعثّر تأليف الحكومة، كلها ملفات تشغل بال السياسيين أكثر من «تحرك قد يكون محدوداً في شكله وحجمه ولن يؤثر عليها» حسب ما تعتقد القوى السياسية!