لم يعد جائزاً وصف التصرفات اللامسؤولة لوزير البيئة طارق الخطيب تجاه أهم القضايا البيئية بقلة الدراية. بل يبدو أن هناك ما قد يصح معه اتهامه بتنفيذ أجندات لمصالح كبرى، غير بيئية في الحد الادنى.مبرر هذا الاستنتاج آخر «إنجازاته»، بطلب إلغاء اجتماع دعي اليه نحو 50 خبيراً ومتابعاً لقضية النفايات إلى الوزارة للبحث في استراتيجية النفايات، بحجة أن مسؤول الملف في الوزارة لم يحصل على موافقة خطية منه. الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي، أُنهي لحظة افتتاحه، بعدما ارسل الخطيب من يطلب الغاءه. وهي سابقة في تاريخ الوزارة، بإلغاء اجتماع بعد حضور المدعوين لأسباب شكلية وغير وجيهة... ومن دون أن يعتذر الوزير من أكثر من 40 شخصا لبّوا الدعوة!
ومعلوم أن مطلب ضرورة وجود الاستراتيجية تم تبنيه على نطاق واسع، بعد اهماله تاريخياً، لا سيما عندما أقرّ مجلس النواب مؤخرا قانون النفايات، ومنح وزارة البيئة 6 أشهر بدل سنة لإعداد الاستراتيجية. وقد اعتبر ذلك نصف انتصار لفكرة بسيطة مؤجلة منذ أكثر من 20 عاما، كانت تقول إن الاستراتيجية يجب أن تسبق القانون لأنها تحدد الاتجاهات والمبادئ والأولويات، وهي التي تفاضل بين تقنيات المعالجة وتحدد المسؤوليات (بين مركزية ولامركزية او بين الوزارات او بين وزير الوصاية ومجلس الوزراء...)، بناء على أسس واضحة وشفافة ومنطقية.
ربط الموقف الجديد، باهمال الوزير نفسه عرض مساعدة برنامج الأمم المتحدة للبيئة لوضع الاستراتيجية، وعدم منح هذا الموضوع الاهمية اللازمة لحل مشكلة النفايات بشكل جذري ومستدام وهادف، وترك الوقت يمر من دون انجاز الاستراتيجية... يقود الى الاستنتاج بأن كل ذلك كان لمصلحة الخطط الطارئة البالغة السوء، كاستحداث مطامر على الشاطئ وتمديدها مرة بعد أخرى، بأكلاف عالية جداً على كل المستويات البيئية والاقتصادية والصحية والمالية… او لمصلحة خيار المحارق الاستراتيجي، قبل إقرار اي استراتيجية يمكن أن تستبعد هذا الخيار في شروطها وأولوياتها وجدواها.
ما يعزّز هذا الاستنتاج أيضاً موقف الوزير داخل مجلس الوزراء من موضوع المحارق واقرار دفاتر الشروط، رغم أن الوزارة كانت قد سلمت رئاسة مجلس الوزراء واللجنة التي يرأسها رئيس الحكومة، ملاحظات وشروطاً «تعجيزية» لاعتماد خيار المحارق، قبل أن يغيّر الخطيب موقفه لمصلحة المحارق داخل مجلس الوزراء!
وما زاد الشكوك، أيضاً وأيضاً، أن الخطيب لم يلاحق بلدية بيروت ورئيسها جمال عيتاني المستعجل لإقرار دفتر شروط محرقة بيروت والسير في هذا الخيار. فاكتفى بإرسال كتاب، منذ أكثر من سنة (10/9/2017)، إلى رئيس البلدية يطلب منه عدم المباشرة بأي أعمال تتعلق بإنشاء محرقة للنفايات المنزلية الصلبة في بيروت لحين التقيّد بإعداد تقرير تحديد نطاق تقييم الأثر البيئي وتضمين التقرير كافة البدائل المقترحة لناحية الموقع والتقنيات المقترحة. ورغم مرور أكثر من سنة على هذا الكتاب، وعدم تلقي وزارة البيئة أي جواب، لم يراجع وزير البيئة رئيس البلدية في أكثر الخيارات استراتيجيةً وكلفةً للعاصمة وساكنيها، وكأن كتابه كان شكلياً فقط، ولرفع أي عتب بيئي لاحق، خصوصاً من ناشطي المجتمع المدني الجديين، لا سيما ائتلاف ادارة النفايات!
فمن سيحاسب على هذا الوقت الضائع والقاتل في وزارة البيئة؟ وما ستكون نتيجة هذا التراخي والاستهتار بأكثر الأمور دقة على المديين القريب والبعيد؟
يراهن البعض على أن الوضع سيتغير حتماً مع تشكيل الحكومة الجديدة. لكن، من يضمن أن تختار القوى السياسية وزيراً للبيئة لا يتعامل بهذه الخفة مع أدق الملفات وأخطرها على حياة اللبنانيين؟!