مرّت حكومة الرئيس سعد الحريري خلال الأسبوع الماضي بأصعب امتحانٍ لها منذ تشكيلها في كانون الأول الفائت، في ظلّ تصاعد الانقسام السياسي حيال قانون الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب، ولقاء الوزير جبران باسيل بوزير الخارجية السوري وليد المعلم.وكشفت أحداث الأيام الأخيرة، مدى حساسية التحالفات السياسية وهشاشة بعضها أمام الخيارات الكبرى، في الوقت الذي بدأت فيه ملامح اشتباك إقليمي جديد تظهر في الأفق، وما تعنيه من انعكاسٍ على لبنان، في حال قرّر فرقاء 14 آذار التقليديون الانخراط فيه. وربّما يمهّد هذا أيضاً لعودة الانقسام السياسي من الآن وصولاً إلى الانتخابات النيابية، بالفرز التقليدي حيال العلاقة مع سوريا وسلاح المقاومة، بعد مرحلة من خلط الأوراق سمحت بإجراء الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة بتسوية محليّة ـــ دوليّة.

وأمام هذه التهديدات والانتقادات الواسعة التي تُوجّه للحكومة، أكّد رئيس الجمهورية ميشال عون، في الجلسة التي عقدت في بعبدا أول من أمس، أن هذه الحكومة هي «حكومة العهد»، خلافاً لما درج التيار الوطني الحرّ على قوله من أن حكومة ما بعد الانتخابات هي حكومة العهد الأولى. ويظهر موقف رئيس الجمهورية حرصاً على تماسك الحكومة وبقائها، إزاء التلميحات التي كشف عنها الأسبوع الماضي إلى احتمال اعتكاف الحريري أو استقالته اعتراضاً على لقاء باسيل ــ المعلم، وعلى خلفيات قرار المجلس الدستوري بردّ قانون الضرائب وفتح ملفّات قطع الحساب.
ويمكن القول إن علاقة المصلحة المتبادلة التي جمعت التيار الوطني الحرّ ــ تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ بحزب القوات اللبنانية منذ انتخابات الرئاسة، تعرّضت هي الأخرى لانتكاسة. وهذا «الجفاء» مرشّح للتصاعد، في حال تفاقم الخلاف حيال العلاقة مع سوريا وملفّ النازحين، وشعور القوات بمحاولات «الاستبعاد» من قبل التيار الوطني الحرّ. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة بين عون والرئيس نبيه برّي، اللذين باعد بينهما الموقف من قرار المجلس الدستوري وإبطاله قانون الضرائب، بعد فترة من الانسجام والتنسيق.
وأكّد أكثر من وزير أمس لـ«الأخبار» أن الحكومة مرّت بـ«قطوع» خلال الأسبوع المنصرم، وأن التحوّل الذي حصل في جلسة أول من أمس أنقذ الحكومة من خطر الشلل على الأقل، فيما لو تمسّكت الاطراف بمواقفها التصعيدية. وقالت مصادر وزارية بارزة إن «الأجواء كانت مشحونة بداية جلسة الخميس، ثمّ انقلبت الآية بعد نقاشات طويلة، وبعد مداخلة سياسية ومالية للوزير علي خليل ومداخلة للوزير سليم جريصاتي عرض كلّ منهما وجهة نظره، لا سيّما حيال تعليق المادة 87 من الدستور». وقالت المصادر إن «مداخلتي الوزيرين يوسف فنيانوس وجمال الجراح فكّكتا جزءاً من التعقيدات أيضاً، وانتهت الجلسة باتفاق مهم، أنقذ الحكومة وأوجد مخرجاً لأزمة السلسلة وقانون الضرائب، على أساس القواعد التي طرحها خليل منذ البداية، في ظلّ التماس غالبية الوزراء صعوبة منع المواطنين من سلسلة الرتب والرواتب».

تراجع وزراء القوات
عن المطالبة بتعليق
المادة 87 من الدستور

وفيما اعتبر برّي قرار المجلس الدستوري تدخّلاً في عمل المجلس النيابي ومحاولة لمصادرة صلاحياته التشريعية برفضه وضع تشريعات ضريبية خارج الموازنة، قالت مصادر وزارية إن «رئيس المجلس النيابي كان يعتقد بأن وزير العدل له يد في هذا القرار، قبل أن يقوم وزير المال بالتوضيح أن هذا اللغط غير صحيح وأن قرار المجلس الدستوري لا يتحمّله رئيس الجمهورية، مثنياً على مواقف رئيس الجمهورية في الخارج، فيما أيّد رئيس الجمهورية كلام خليل وأكّد أن وزير المال قدّم مداخلة مقنعة». وكذلك الأمر بالنسبة إلى اقتراح عون وجريصاتي تعليق العمل بالمادة 87 من الدستور، حتى يتمّ إصدار الموازنة من دون قطع الحساب، أكّدت مصادر وزارية في فريق 8 آذار أن «هذا الأمر لم يكن ليمرّ أبداً ولم نكن في وارد التراجع عن موقفنا، وأيّدَنا في هذا الموقف الرئيس الحريري». وبحسب مصادر وزارية أخرى، أكد وزير العدل أن هذا الإجراء لا يمكن تطبيقه إلا بقانون دستوري يحتاج إلى ثلثي أعضاء المجلس المجلس. وفي ردّه على سؤال من فنيانوس عن أنه في حال أقدم بري أو عشرة نواب معترضين على الطعن في هذا القرار، فهل يكسبون الطعن؟ كان ردّ جريصاتي إيجابياً، عندها جرى التخلّي عن هذه الفكرة واستبدالها بخيار «تسوية» مؤقّتة، إلى حين انتهاء وزارة المال من قطع الحساب.
ويمكن القول إن حصيلة جلستي الخميس والجمعة أفضت إلى الآتي: سلّم الجميع بأن السلسلة يجب أن تدفع، وأن الضرائب يجب أن تقرّ بعد تعديلها، وتحديداً الضرائب على المصارف، كما الحق الدستوري للمجلس النيابي بالتشريع الضريبي قبل الموازنة أو خارجها وعدم ربطها، وأخيراً الانتهاء من مسألة تعليق المادة 87. وفي هذه النقطة بالتحديد، برز الخلاف العوني ــ القواتي في أعلى منسوب له منذ أزمة الكهرباء، إذ أصرّ وزراء القوات على التمسّك بتعليق المادة 87، في موقف موجّه ضد التيار الوطني الحرّ، قبل أن يخرجوا من الجلسة لإجراء اتصالات برئيس القوات سمير جعجع، ويعدلوا عن الأمر بعد تدخّل الحريري.
أما إجرائياً، فيمكن تلخيص ما جرى بأن مكوّنات مجلس الوزراء أجمعت على ضرورة دفع الرواتب وفق قانون السلسلة، مع منح وزارة المال مهلة سنة لإنجاز قطع الحساب، على أن يتم إصدار موازنة عام 2017 ولو لم يُنجز قطع الحساب قبل ذلك.




«يسقط حكم المصرف»

نفذ قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني واتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني اعتصاماً أمام مقر جمعية المصارف اللبنانية في الجميزة، تحت عنوان «يسقط حكم المصرف»، اعتراضاً على الضرائب غير المباشرة التي تطال الفقراء، وللمطالبة بدفع السلسلة فوراً لأصحاب الحقوق، وفرض الضرائب على الأرباح المصرفية والفوائد والريوع المالية والعقارية. وطالب جاد السليم في كلمة ألقاها باسم المعتصمين بأن تقرّ الضرائب بشكل يرعى ظروف المواطن المعيشية، فتطال بذلك المصارف والمؤسسات المالية وتفرض الغرامات على التعديات على الأملاك العامة، البحرية منها والبرية، ووضع حدّ لهذه التعديات، عوضاً عن أن تطال المواطن اللبناني ذا الدخل المحدود. وأشار إلى أن مصرف لبنان قام خلال العام الجاري بتحويل 5.5 مليارات دولار إلى جيوب المصارف اللبنانية وفق هندسات مالية لا تعدو كونها حبراً على ورق. وختم بالقول: «إننا مع زيادة الضرائب المباشرة، والآن تبرز بشكل ملحّ ضرورة فرض ضريبة كبيرة على الهندسات المالية التي أجراها مصرفنا المركزي، وهي وحدها قادرة على تأمين كل الإيرادات المطلوبة للسنوات المقبلة».