على سفوح جبال القلمون، وقرب مساحات الملح الصخري، وتحديداً في قرية الناصرية على بعد 60 كلم من دمشق، اختار نبيل فياض أن يعيش حياةً هادئة. يعمل 12 ساعة يومياً في صيدليته شبه الوحيدة في القرية. ويعزو سكنه في هذا المكان النائي إلى عشقه لبساطة الأرياف بعيداً عن صخب المدينة. عمله في ميدان الصيدلة وسيلة تسمح له بألّا يكون رهينةً لأحد.قرب مكان سكنه الحالي، في بلدة اسمها القريتين في ريف حمص، ولد نبيل لعائلة إقطاعيّة، تملك إرثاً كبيراً من الأراضي. والده كان بورجوازياً معادياً للثقافة وأهلها، لكنّ والدته، مديرة المدرسة، زرعت عنده «سوسة» الثقافة. كانت ناشطةً في العمل السياسي، وانتمت إلى «حزب الاتحاد الاشتراكي». وعلى عكس من هم حولها من أهل الإقطاع، بذلت جهوداً إنسانية لمحاربة جهل الفلاحين، وإقناعهم بإرسال بناتهم إلى المدرسة الأولى في البلدة التي أسستها بنفسها. هكذا، اهتم نبيل بالثقافة والأدب والفن، وتلقّى في أعياد ميلاده كتباً كهدايا.
بعد الشهادة الثانوية، بدأ يهتم بالفلسفة واللاهوت. ابن العائلة التي تميل إلى اليسار، رفض فكرة الانتساب إلى حزب وانكب على دراسة الوجودية، وقراءة سارتر ودو بوفوار، إضافةً إلى كامو وكافكا. هذا الأخير أثَّر فيه إلى درجة أنّه ألف كتاباً عنه في سن مبكرة سماه «كافكا ـــــ التحول»، وحلّل فيه شخصية غريغور سامسا في قصة كافكا الشهيرة. ثمّ أتبعه بكتاب «نيتشه والدين»، وهو دراسة عن الدين في أعمال الفيلسوف الألماني، مع الباحثين الألمانيين ميشائيل موترايش وشتيفان دانه.
قرّر السفر إلى لبنان، وهناك تغيرت حياته كلياً بعدما تعرّف إلى إرث الكنيسة المارونيّة. أصبح صديقاً مقرباً لأحد كهنتها، وهو الدكتور أمبروسيوس الحاج، الرجل الذي حفر سلوكه الإنساني عميقاً في ذاكرة فياض: «علمني هذا الرجل كيف أستطيع أن أفهم الآخر، وأرشدني إلى العمق الإنساني للفكر والأدب والفن». يذكر كيف جمع الراهب مساعدات لأهل صبرا وشاتيلا، بعد المجزرة التعيسة الذكر عام ١٩٨٢. تبحّر فياض أيضاً في الفقه الإسلامي، وفي الديانة اليهوديّة، ووجد أنّ «الأديان كلها شيء واحد لا تختلف بجوهرها». في لبنان، بدأ مهنة الكتابة كمحرر في جريدة «الديار»، ثمّ سافر إلى القاهرة لدراسة اللغات، وهناك تعلَّم سبع لغات. عمل في ترجمة كتب عن الإنكليزية والألمانية والعبرية، ثم عاد إلى دمشق ليدرس الصيدلة. وبعد ذلك درس اللاهوت.
خلال مسيرته الطويلة، صدر له نحو ثلاثين كتاباً بين تأليف وترجمة. ومن مؤلفاته «يوم انحدر الجمل من السقيفة» و«حوارات في قضايا المرأة والتراث والحرية»، الذي لم يستطع نشره إلا بعدما حذف منه فصلين كاملين وعشرات الجمل. «الطريف أنّه كان يحكي في أحد فصوله عن قرد يزيد بن معاوية، واسمه أبو قيس. يومها، احتج مجلس الشعب السوري ظناً منهم أنَّني أقصد رئيس مجلس الشعب، وكان اسمه أبو قيس! رغم أنّني لم أهتم يومياً بهذا المجلس، ولا بغيره من المؤسسات الحكومية السورية».
بعد ذلك أثار كتابه «أم المؤمنين تأكل أولادها: دراسة نقدية لسيرة عائشة صاحبة الجمل»، سخط الإسلاميين وأنصار الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي. يومها اضطر إلى الهرب والتخفي لمدة أربعة أشهر، ثمّ عاد ليصدر كتاباً جدلياً ساخراً بعنوان «مراثي اللات
والعزّى».
كتب نبيل فياض عن الفساد كثيراً، لكنه قرر منذ مدة الصمت نهائياً. «لقد استشرى لدرجة صارت مكافحته شبه مستحيلة». في عام 2004، سافر إلى بانياس لإلقاء محاضرة، فانتبه للانقسام الطائفي الحاد. دقّ ناقوس الخطر في سلسلة مقالات، فقابلته قبضة عبد الحليم خدام الحازمة حينها. اعتُقل، وبقي في السجن 33 يوماً، وهي أطول فترة اعتقال له، خرج بعدها «لكنني سجنت مرات عديدة». مغامراته مع السلطات السياسة العربية كثيرة. في إحدى المرات طلب من أحد أصدقائه الخليجيين إدخال كتبه إلى الكويت، وبالفعل دخلت خمسة منها خلسة. «لدى تنبّه السلفيين للأمر، عدّوا الأمر جريمة، ووصلت القضية إلى قبة البرلمان».
عناوين كتبه الاستفزازية وجرأة مقالاته، جعلت محيطه المحافظ يحقد عليه، على اعتبار أنّه «تطاول» في نقد الأديان. لهذا، سبق أن حرضوا خطباء المساجد عليه، وطُبعت كتب ومقالات لشتمه، وصولاً إلى حد تعرّضه لأكثر من محاولات ترهيب وتهديد، كان آخرها قبل أسابيع، حين أحرقت سيارته ومنزله.
لكنّ الكاتب الذي عرف أنه معارض سياسي، فاجأ الجميع عندما أطلّ أخيراً على قناة «الجزيرة»، ليتبرأ من المعارضة، وينفي انتماءه إلى مؤيدي الاحتجاجات الشعبيّة، معلناً في الوقت عينه أنّه ضد أيّ تدخل أجنبي في سوريا. مع ذلك يقول: «يحق للشعب السوري أن يعيش حياة ديموقراطية. هي الخيار الوحيد الباقي أمام النظام حالياً». يجد نبيل أن المشكلة الحقيقية للسلطة هي في قطيعتها مع المثقفين، وينتقد طريقة ردّ الإعلام السوري الرسمي على بعض القنوات التي اتهمت بأنّها تروّج للفتنة. أما وجود مسلحين وعصابات سلفية بين المتظاهرين، حسب التركيز المكثف للخطاب الرسمي، فهو لا يستبعده... لكنّ العارض المحدود لا يلغي الأساس: «لقد ركبوا التحركات الشعبيّة السلميّة التي تعبّر عن مزاج وطني».
يعكف نبيل فياض حالياً على نشر فصول كتابه الجديد «فروقات المصاحف» على الإنترنت، وعلى استكمال كتابه «كمشة بدو»، وفيه يرى أنّ العرب ما زالوا يعيشون في عهد معاوية ويزيد. يتنبأ بحملة شعواء ضده لو صدر هذا الكتاب، لذا يعد حقيبة السفر النهائي إلى أميركا. ويتمنى الخروج سالماً من سوريا، إذ يصرّ على أن هناك أطرافاً عدّة تفضّل إسكاته بأي ثمن.
5 تواريخ
1955
الولادة في القريتين ـــــ ريف حمص
1971
السفر إلى القاهرة للدراسة
1999
كتاب «أم المؤمنين تأكل أولادها: دراسة نقدية لسيرة عائشة صاحبة الجمل» الذي أثار جدلاً كبيراً
2004
اعتُقل بسبب نشره مقالات عن الانقسام الطائفي في بانياس
2011
يعكف على إنهاء كتابه الجديد «كمشة بدو»
11 تعليق
التعليقات
-
مجرد تعليق لحلقة الإتجاه المعاكسأستاذ نبيل مع احترامي لك لكن من يكون ضد القتل عليه إدانة الجرائم من الطرف الآخر ولم تكن أبدا من أنصار احترام الرأي الآخر وكان هذا واضح بإمتياز فظهرت وكأنك طائفي وبعيد عن الديموقراطية وبصدق أقول أسأت لشئ اسمه علمانية لذلك كنت الأضعف بالحلقة
-
رؤياهنالك شيء جديد ينمو داخلي أشعر به يمد أذرعه ليملكني بذور قليلية رماها نبيل فياض بدأت تشعرني أن هناك شجرة ضخمة ستورق داخلي و أن حياني الفكرية بدأت تتلمس شكل الطريق الذي ستسير فيه أول ما تعلمته من قياض أن لا خطوط حمراء في هذا الكون و هذا الكون بكل مافيه نهب لفكرنا و تأملاتنا و استبصارنا و ما نحن فيه من حياة هي من صياغتنا و متحنا من طاقة هذا العالم من هذه الوحدة بين عقلنا و العالم وهذه الرؤيا تضمن للأمم دوام الابتكار و الخلق
-
يا بعد عمري يا نبيل فياضعيرت حياتي ايها المتنور ، نبيل ، شكرا للنت الذي عرفنا على كتاباتك وغير حياتنا لا تنس المساكين المستضعفين الذين يسكنون بللاد الرمال الجهنمية لو تركت بلادك الى بلاد اكثر حرية واستمر في الكتابة لنا وعنا ،علنا نصحو من سباتنا المقيت يوما آه كم اخشى ان اصحو يوما فلا ارى نبيل ولا كتابات نبيل ولا اشباه نبيل
-
لا شک ولکنلا شک أن نبیل فیاض هو من الکتاب المبدعین والأذکیاء وأسلوبه الجذاب مع الجرأة الشدیدة تسببا فی شهرته ولکن کتاباته وأفکاره لا تحمل بعدا فکریا عمیقا وللأسف فإن تأثره الشدید بالفلسفة الغربیة ( وهی بالمجموع أقرب إلی السفسطة ) وتأثره کذلک بحال المسلمین الیوم الذین یغطون بالجهل المأساوی والتخلف ربما منعه من قراءة الإسلام قراءة صحیحة ، وإنی أرجوه أن یعید هذه القراءة متجاهلا تاریخ المسلمین وحاضرهم لیجد أن نیتشه وفلسفته وکل فلسفة الغرب لیست بحجم نقطة واحدة من بحر الاسلام العظیم .
-
لم تذكر جميع آراء نبيل فياض واتجاهاتهأولا : "الكاتب الذي عرف أنه معارض سياسي" عبارة غير دقيقة البتة فالكاتب لم يعرف عنه إلا تقربه من النظام وهو الذي أعطاه الدعم في كبته ومنشورات إلا ما لم يسكت عنها الشارع السوري لتجرأها على الدين والأعراف العربية والسورية تحديداً.. ثانياً: ومع احترامنا لتعدد الآراء إلا أن الكاتب لم يعر للرأي الآخر اهتماماً إلا بالنقد الاذع الذي اقترب كثيرا من التحقير وعدم الاحترام للمخالفين وهو الذي يعيش في بلدة الناصرية المعروف عن أهلها تمسكهم الشديد بالأفكار السلفية الدينية دون تطرف حاد... وما لا أستطيع القبول به عن الكاتب المحترم ولم يستطع أغلبية السوريين القبول به هو التجريح الحاد بالعقيدة الإسلامية والتراث الإنساني للدين وللحضارة الإسلامية لمئات السنين. وما كتابه " يوم انحدر الجمل من السقيفة " إلا ثمرة لآرائه الفاشية التي تعادي الإسلام من وراء ستار الاختلاف بالرأي والمنطلق العلمي, علماً أن الاختلاف بالرأي لا يطرح إلغاء أي أحد أو تحقير دوره أو مكانته أو المس بمشاعر مليار ونص مسلم... والنقد من المنطلق العلمي لا يملي على الكاتب سلخ التراث الإنساني الإسلامي عن موضعه التاريخي و الإنساني والثقافي لتوجيهه ضمن نمط ضيق لتركيب صورة عن إسلام إرهابي عنيف لا يعرف إلا السيف والتصارع على المصلحة..
-
شكرا لاعفاء القارىء منشكرا لاعفاء القارىء من اجتهادك واجتهاد الصحيفة بوضع جملة أخيرة قلما تكون مفيدة أو على صلة بالموضوع. ربما لأن الكاتب المبدع "نبيل فياض" ليس بحاجة لإضافات، ونقلكم رأيه بما يجري يتعارض مع رأيكم المنوط دوماً بجملة أخيرة منفصلة.
-
لديّ تعليق آخر ..تصفّحت بعضاً ممّا نشرته المواقع الإلكترونيّة عن المفكّر نبيل فيّاض، فهالني تطاوله على الأديان ( حسب ما أسند إليه) وخصوصاً الدّين الإسلاميّ.. إلى أيّ حدّ يمكن أن نعتبر هذا الكلام صحيحاً يا أستاذ وسام؟ ولماذا لم توضحه في مقالتك؟ وإن كان كذلك فأنا أسحب تعليقي السّابق.. لأنّه لايمكن لشخص يطالب بالدّيمقراطيّة أن يتعامل مع الرّأي الآخر بهذا الأسلوب من الازدراء والاحتقار.. مع التّحيّة..
-
في شوق لأقرأ كتابه..أشكرك أستاذ وسام لإضاءتك الّتي جعلتني أجد في قلم هذا المفكّر ما يشعل شوقي ونهمي إلى قراءة مكتنزة بالجديد.. لذا سأنتظر كتابه: كمشة بدو بشوق.. وأعتبر العنوان وحده، كتاباً!! مع أمنياتي بأن يظلّ الأستاذ فيّاض بخير وسلام، وأن لايحتاج إلى حقيبة سفره، فمثل هؤلاء المعارضين لكلّ وطن حاجة حقيقيّة للبناء والقوّة..
-
قمر مضيءنبيل فياض قمر مضيء في ظلامنا السرمدي , ممنوعة هي الازهار في ارض الرمال , فالقمر سينطفىءكالسابقون الى المصير المحتوم لتحل سكنية الظلام , لا صوت , لا ضجيج, لا الوان, ولا ولا .... هو الاسود المقيت يحتل المكان وتضيع الجهات , لا حياة في ارض الرمال ولن يكون مذ هبت رياحها منذ زمن ونيف فافترست من حولها لتسود رائحة الغبار وتتربع على ملكوت ادمغتنا , لقد فقدنا الحواس والجهات , انه قدرنا المكتوب على اللوح فلتشد اقمارنا الرحيل الى نقطة الضوءولتتركنا نهنىء بالفراغ , فلتحيا طاحونة الفراغ في بلادنا. نبيل فياض دمعة في المقل الجافة,وهمسة سيمفونية في هذا السكون سلام عليك.