أخيراً، أعلن رئيس بلدية ميس الجبل (قرى قضاء مرجعيون في محافظة النبطية ـ جنوب لبنان) عبد المنعم شقير بأنّها صارت منكوبة، استناداً إلى الأضرار العمرانية والاقتصادية والزراعية بسبب العدوان الإسرائيلي. من خربة سلم حتى عيناتا وعيترون، تبدو ميس الجبل كتلة نار ملتهبة بسبب الغارات الكثيفة والعنيفة شبه اليومية والقصف بالقذائف الفوسفورية والتمشيط. عصف الاعتداءات وهول الدمار يجعلان من الصعب التصديق بأنّ هناك مَن يواصل حياته شبه المعتادة. لكنّ أهل ميس الذين احترفوا التصدّي لإسرائيل منذ زمن العصابات الصهيونية في العشرينيات، قاوموا التهجير الجديد الذي حاول العدو فرضه بالنار.

بسيارة إسعاف تابعة لكشافة الرسالة الإسلامية، عادت مريم غضبان إلى منزلها في وسط ميس الجبل أمس. غطت عينيها بنظارة سوداء وجلست على شرفتها تتفقد «الحاكورة» ومنازل الجيران من أثر الغارات الأخيرة التي استهدفت ساحة البركة. للمرة الأولى، اضطرت إلى مغادرة ميس منذ بدء العدوان الإسرائيلي قبل نحو ثمانية أشهر. القصف المكثّف بالقذائف الفوسفورية المتكرّر على الأحياء السكنية، أصاب عينيها اللتين احتاجتا إلى جراحة عاجلة لكيلا تفقد البصر. استعانت بالمسعفين للانتقال إلى «مستشفى تبنين الحكومي». شقيقتها الممرضة ليلى تملك سيارة، لكنها متوقفة قسراً منذ ثمانية أشهر. «تعطلت ولم أجد من يصلحها» قالت. بصعوبة، مضت الأشهر الثمانية على الشقيقتين اللتين أنستا بوجود جارتهما نجاة خليل التي قررت الصمود في ميس. الأخيرة على غرار ليلى ومريم، رفضت النزوح في عدوان تموز 2006. عايشت العدوان والغارات كما عايشت الاحتلال الإسرائيلي طوال 22 عاماً. «هذه إسرائيل. نعرفها جيداً. نشأنا عليها وشاهدنا كيف قضمت أراضي أجدادنا منذ عام 1948 و1967. ولا تزال تحتل بعضها. لكن في النهاية، لا تقوى علينا سوى بطائراتها. نحن هنا في بيوتنا والمستوطنون بعيدون لعشرات الكيلومترات» قالت خليل.
مَن صمد في ميس، احتاج إلى مقوّمات عدة للبقاء في ظل صعوبة الحركة باتجاه البلدات الحدودية. أبرز عامل كان الاستعانة بالمسعفين والمتطوّعين لشراء الحاجيات والأدوية والتنقّل خارج البلدة. على حدود ميس الجبل، تنتشر المواقع المعادية بكثافة، من المنارة لناحية حولا حتى العاصي والبغدادي لناحية بليدا. قبالة العاصي، يواصل نمر حمادة يومياته المعتادة. لم ينقطع عن «الكزدورة» في ساعة العصر. يهزأ من استغراب الزائرين حول قدرته على الصمود في منزله الخطر في كروم المراح. يرفع عكازه ويقول: «هذه تكفي لأُخيف إسرائيل». حسان عمار لم يتوقف عن رعي أبقاره في الحقول القريبة على الشريط الشائك. يصطحب ابنه ذات الأربعة عشر عاماً ويسرح بوجه المواقع. أما الشقيقان علي وسعيد حمادة، فلم ينقطعا عن زراعة القمح والشعير في بو زلطة ومرج العين وفي محيبيب. يشير سعيد إلى منزل العائلة ذات الطبقات الثلاث الذي دمرته الغارات. «في مستودعه، كان هناك أطنان من القمح والعدس والشعير ومعدات الزراعة والحراثة».
في حديث معنا، يشير مختار ميس الجبل حسن قبلان إلى أن حساب أهل ميس مع إسرائيل لن يُقفل. «الخرائط العقارية تثبت بأن حدود ميس تصل إلى هونين والمالكية والخالصة في سهل الحولة المحتل. الزمن لا يمحي الحق بالأرض المحتلة التي تزيد مساحتها عن 400 دونم». واستعاد قبلان انتفاضة الأهالي في كانون الأول (ديسمبر) 1983 بوجه الاحتلال على خلفية استشهاد الفتى غسان قاروط بانفجار لغم عند حدود البلدة.