بعد أيام، يحمل شبّان فلسطينيون، ضمن مبادرة «فلسطين على القمة»، هموم شعبهم ويسلّطون الضوء على الانتهاكات المستمرة لحقوقهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ويرفعون في قمة أوهورو لاءاتهم الثلاث: لا للاعتقال الإداري، لا لسحب الهويات ولا للترحيل والإبعاد! تتبنّى المجموعة المؤلفة من 19 شاباً وشابة من مختلف الأراضي الفلسطينية (القدس والضفة الغربية وأراضي 48) قضية المبعد قسراً المحامي صلاح الحموري الذي كان قد اعتُقل إدارياً في آذار (مارس) 2022 ورُحِّل إلى فرنسا في كانون الأوّل (ديسمبر) من العام نفسه، بعد رفضه المتكرر لعروض الاحتلال لترك البلاد اختيارياً من دون عودة، والتي استحالت فيما بعد إلى عنصر تهديد بوجه نشاطه الحقوقي ومواقفه الوطنية.

في الطريق إلى قمّة أرارات في 2022

في رحلتهم إلى أعلى قمة في أفريقيا والتي تقع على ارتفاع 5895 متراً، سيواجه الفريق الفلسطيني، المكوّن من أشخاص يتمتعون بلياقة بدنية عالية ويتدرّبون منذ أشهر استعداداً لهذه المهمّة، ظروف مناخية صعبة. فهو الجبل الوحيد الذي يتعيّن فيه على المتسلّقين مواجهة خمسة مناخات مختلفة، بدءاً من الإستوائي في القاع وصولاً إلى القطبي في الأعلى. بالإضافة إلى تغيّر نسب الأوكسيجين في الهواء وتحمّل مشقة المسير لمدّة ستة أيام صعوداً وثلاثة هبوطاً، يرافقهم فريق تنزاني مختص بتسلّق الجبال، حاملين على عاتقهم قضية المبعد صلاح الحموري، ورافضين لسياسات الاعتقال الإداري وسحب الهويات والتهجير والترحيل والإبعاد المستمرة منذ النكبة، ومنادين بعودته وعودة كل المبعدين والمنفيين.
يقول مريد البرغوثي في كتابه «رأيت رام الله» إنّ «الاحتلال يمنعك من تدبّر أمورك على طريقتك. إنّه يتدخّل في الحياة كلّها وفي الموت كلّه. يتدخّل في السهر والشوق والغضب والشهوة. والمشي في الطرقات. يتدخّل في الذّهاب إلى الأماكن ويتدخّل في العودة منها. سواء كانت سوق الخضار المجاور أو مستشفى الطوارئ أو شاطئ البحر أو غرفة النّوم أو عاصمة نائية». حقيقة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم! فسلطات الاحتلال تعتبر أنّه من المباح لها تجميد حياة الفلسطينيين باعتقالهم إدارياً من دون أي تهمة أو موعد محاكمة، وأن تقرر تغيير أماكن عيشهم وتحديدها على هواها، فتمنع آلافاً منهم من الحصول على إقامات أو تجرّدهم إياها وقت يحلو لها فتطردهم خارج القدس أو خارج البلاد، كما حصل مع الحموري. في هذا السياق، يقول الناشط الفلسطيني، أحمد البيقاوي، إنّ هاجس أي شاب فلسطيني يعيش تحت رحمة الاحتلال كان الحصول على جنسية أخرى تكون حصناً لحقوقه من انتهاكات الكيان الصهيوني... أما اليوم، وبعدما تعرّض له المحامي الحامل للجنسية الفرنسية، أصبح الأمر يتطلّب موقفاً شعبيّاً جامعاً ينادي بعودة الحموري إلى البلاد وتحرّكات دولية لكبح جماح التعسّف الصهيوني».
هذا ما تسطّره مبادرة «فلسطين على القمة» من خلال نشاطها الهادف إلى الدمج ما بين الرياضة والسياسة، وتسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية وإنسانية فلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني على أعلى قمم العالم. مبادرة انطلقت عام 2022، وكان هدفها الأوّل تسلّق قمة جبل أرارات. يومها، رفع المتسلّقون صورة الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة مطالبين بالعدالة لها وللشعب الفلسطيني. ومن المتوقّع الكشف عن القمة الهدف للعام المقبل قريباً عبر صفحات المبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
على خطٍ موازٍ، تنظّم المبادرة غير الربحية التي أسّسها الناشط الفلسطيني خليل غرّة مسارات عدّة داخل فلسطين، يتم التركيز فيها على زيارة أماكن منوّعة في الشمال والجنوب... وزيارة القرى المهجّرة والتعرّف عليها وعلى قصص أهلها وسِيَر صمودهم وتضحياتهم، ودرس التاريخ الاجتماعي في البلاد، فضلاً عن جوانب أخرى متعلّقة بالنباتات والمشهد البيئي والانتهاكات الإسرائيلية أرضاً وجوّاً وبحراً. كما ترمي إلى نشر الوعي حيال ما جرى في النكبة وربطه بما يحدث اليوم.
في إحدى المقابلات التي أجراها بعد نفيه، يقول صلاح الحموري إنّ «المقاومة وبرغم صعوبتها هي حالة انسجام الإنسان مع فكره وقناعاته. حالة الانسجام هذه لا تتم إلّا من خلال العملية النضالية». وقد اتّخذت المقاومة الفلسطينية أشكالاً عدّة، ما هذه المبادرة التي يطلقها هؤلاء الشبان إلا إحداها.