على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

أفكِّر كثيراً في لي دك تو، المفاوض الفيتنامي العنيد في باريس في مواجهة هنري كيسنجر. يقول كيسنجر دائماً إنّه من سوء حظّ الولايات المتحدة أنّ لي دك تو كان يفاوضنا. منذ أوسلو، وأنا أقارن لي دك تو مع صفّ المفاوضين الفلسطينيّين: عرفات وعبّاس وعبد ربّه وعريقات. لا تجوز المقارنة لأنّها مجحفة بحق دك تو. يقول عنه كيسنجر في «سنوات البيت الأبيض» إنّ مهنته كانت الثورة وصنعته هي الكفاح المسلّح. قضى عشر سنوات في سجون الاحتلال الفرنسي. كان يريد، باعتراف كيسنجر، كسر روح الحكومة الأميركيّة. كان يفاوض كلّ كلمة ترد. مرّة ظنّ كيسنجر أنّ الاتفاق قد تمّ على كل النقاط باستثناء نقطتيْن. في صباح اليوم التالي، أعدّ دك تو قائمة بـ 17 نقطة اختلاف. ذُهل كيسنجر. كان يتّسم بالانضباط اللينيني، والأهم أنّه اعتبر المفاوضات جزءاً لا يتجزّأ من النضال ضدّ الاحتلال الأميركي. هذا يختلف كلياً عن المفاوضات الفلسطينيّة (والعربيّة بصورة عامّة) مع إسرائيل. السادات كان يحسم الأمر في مفاوضات كامب ديفيد عندما كان فريقه المصري يعترض على مطلب إسرائيلي. كان السادات يوافق على المطلب الإسرائيلي قائلاً إنّ فريقه لا يفهم رؤيته للسلام كما يجب. وكان أعضاء فريقه محبطين من استسهاله لتقديم التنازلات إلى الخصم. فريق عرفات أسوأ من فاوض في تاريخ حركات التحرّر. كلمة هنا وكلمة هناك، كلُّ ذلك لا يعني له شيئاً. طلبت منه حكومة ريغان في عام 1988 أن يوافق على شروط لها مقابل بدء التفاوض بين الطرفيْن للمرّة الأولى بعد حظر الاتصال بينهما في عام 1975، بناءً على تخريجة كيسنجر. وافق عرفات وقرأ بياناً يتضمّن مطالب أميركا. لم ترضَ أميركا: قال له شولتز: عليك أن تقرأ البيان كلمة بكلمة كما نصيغها لك، وبالإنكليزيّة. وهذا ما حصل. أرسلوا إليه بالفاكس ما كتبوه له، بما فيه التنديد والتنصّل من «الإرهاب» (أي أنّه يندّد ويتنصّل من تاريخ المقاومة الفلسطينيّة). قرأها عرفات وتعثّر في القراءة، مشوِّهاً الكلمات. بدأ مسار القضاء على المقاومة الفلسطينية مذّاك. لي دك تو مدرسة، لكن ليس لنماذج منظّمة التحرير الفلسطينيّة.

0 تعليق

التعليقات