أوّل من أمس، كان للوسط الفني السوري الحصة الأكبر من الموت. في ساعات الفجر الأولى، انطفأت الفنانة التشكيلية ومصممة الأزياء لاريسا عبد الحميد، زوجة المخرج السينمائي المخضرم عبد اللطيف عبد الحميد، فنعاها بوجل يكسر الخاطر. ومع مطلع النهار، وصل خبر صادم عن العثور على الممثلة السورية رائفة أحمد مقتولة في شقتها في هولندا! لم ينته اليوم المشؤوم إلا وأخذ معه المغنية السورية القديرة ميادة بسيليس (1967 ــ 2021) بعد صراع مع السرطان. هكذا، بات الموت يلفّ حباله ويشدّ خناقه كل يوم أكثر فأكثر، من دون أن يستطيع أحد فعل شيء في مواجهته، وهو يلتهم كل ما يتاح له من وجوه طيبة.بسيليس التي حولت فيسبوك السوري إلى خيمة عزاء تغصّ بصورها وكلمات أغانيها، هي ابنة حلب، «عاصمة الطرب» السوري، ومن الأصوات الأصيلة التي كانت تترك بصمة عميقة أينما حلّت. يكفي أن يمرّ المستمع، إن كان سورياً، قرب محلّ تسجيلات مثلاً، ليلتقط خامة صوتها على الفور، وينسجم كلياً مع غنائها ويسلّم نفسه لما تقول. يشبه صوت بسيليس «النعاس» الذي يتسلل بهدوء إلى وجدان مستمعه من دون إذن. على مدى ربع قرن وأكثر، أجمع الجمهور على استثنائية موهبتها وخامتها، بطريقة مختلفة عن التفافه حول غالبية مجايليها من المواهب السورية. ربما لم تحقّق ميادة بسيليس الشهرة التي توازي موهبتها، رغم أنها غنّت أجمل الكلمات السورية، وحمت نفسها من الانحدار نحو الابتذال والصخب المجاني الذي يسيطر على سوق الموسيقى منذ زمن طويل، لكن شهرتها في الوطن العربي أتت من خلال أدائها شارات مسلسلات سورية حققت حضوراً واسعاً.
برهافة مفرطة، أنجزت أغنيات خالدة، من بينها «كذبك حلو»، «يا غالي»، «مافي شي مستاهل» و«أقل من بكرة». عاشت المغنية السورية، مسلّمةً موهبتها بالكامل لرفيق دربها الملحن سمير كويفاتي. لا يتذكرها أحد، إلا والابتسامة تكسو وجهها، ونفحة الخجل تعلوها، لتترجم تهذيبها العالي. برحيلها القاسي، تفقد الأغنية السورية واحداً من ألمع الأصوات، وأكثرها وفاءً للون بلده الغنائي المتزن والأصيل.

* تشيّع اليوم الجمعة عند الساعة الواحدة ظهراً في «كاتدرائية أم المعونات للأرمن الكاثوليك» (التلل ــ حلب). تقبل التعازي بعد الدفن مباشرة وغداً السبت في صالون «كنيسة الصليب» (حي العروبة)، على أن يتم الانتقال إلى «قاعة الصليب» في دمشق (القصّاع) يومَيْ الإثنين والثلاثاء .

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا