أخيراً، توصّل علماء آثار في المتحف المصري بمدينة تورينو الإيطالية إلى سرّ المكونات التي استخدمها المصريون القدامى في التحنيط، وفق ما بيّنت نتائج الفحوصات التي أُخضعت لها مومياء لم يسبق أن فحصها المختصون من قبل. النتائج التي نشرت أمس في دورية «أركيولوجيكال ساينس» (Journal of Archaeological Science)، كشفت أولاً أن تاريخ المومياء يرجع إلى ما بين عامي 3700 و3500 قبل الميلاد. كذلك، كشفت سلسلة الفحوصات الكيميائية التي أجريت على المومياء عن الوصفة، وأكدت أنها طُوّرت قبل ذلك بوقت طويل، واستُخدمت على نطاقٍ أوسع مما كان يُعتقد سابقاً.
وهي نتائج نشرتها شبكة «بي بي سي نيوز» التي نقلت عن عالم آثار من جامعة «يورك»، ستيفن باكلي، قوله إن هذه المومياء، الموجودة حالياً في المتحف المصري بمدينة تورينو، «تجسّد حرفياً عملية حفظ الجسد الموجود في قلب عملية التحنيط المصرية القديمة طيلة أربعة آلاف عام».
اللافت في هذه الدراسة التي تأتي استكمالاً لدراسة نشرت في عام 2014، هو استنباط الدكتور باكلي وزملائه ــــــ أخيراً ــــــ «البصمة» الكيميائية لكل مكوّن، على الرغم من أن كل عنصر كان يمكن أن يأتي من مصادر عدة.

وفق باكلي، تتضمن الوصفة الأساسية لمادة التحنيط ما يلي:
زيت نباتي، ربّما زيت السمسم.
نبات له طبيعة البلسم، أو مستخرج جذري ربما يكون مصدره نبات البردي.
صُمغ نباتي، وهو سكر طبيعي ربما يكون مستخرجاً من شجر السنط.
والأهمّ، راتنج (إفراز عضوي يحوي المواد الهيدروكربونية من النبات) شجرة من فصيلة المخروطيات (شجرة الصنوبر ربّما).
وعندما تخلط هذه المكونات في الزيت، فإن الراتنج (Resin) سيعطيها خصائص مضادة للبكتيريا، ما يحمي الجسد من التحلل. في تصريح لـ«بي بي سي نيوز»، يضيف باكلي: «قبل هذه المومياء لم يكن لدينا مومياء من عصر ما قبل التاريخ تُظهر بالفعل أصول ما أصبح في ما بعد التحنيط المبدع، الذي نعرف عنه كل شيء».

كيف توصل العلماء إلى الوصفة؟
بدأ الدكتور باكلي البحث عن الوصفة منذ عدة سنوات، حينما استخرج هو وزملاؤه وحللوا العناصر الكيمائية والأقمشة التي استخدمها الفراعنة في تكفين المومياوات. وهي أقمشة يرجع تاريخها إلى نحو أربعة آلاف عام قبل الميلاد، أي في فترة أقدم من تلك التي كان يعتقد أن التحنيط بدأ فيها. وتعد تلك الأقمشة جزءاً من الجناح المصري في متحف «بولتون» شمالي إنكلترا.
في هذا الخصوص، يقول باكلي إن «التحنيط يفترض عموماً أنه بدأ تقريباً في عام 2600 قبل الميلاد، في وقت بناء الهرم الأكبر». لكن العلماء لاحظوا أن «هناك أدلة على أن حفظ الجثث بدأ في وقتٍ سابق لذلك».
هذا الاكتشاف أرشد الفريق، لاحقاً، إلى مومياء في متحف تورينو ترجع إلى ما قبل التاريخ، تبيّن أنها لم تخضع إلى أي معالجات للحفظ. وقد وفّر ذلك فرصة فريدة لدراسة الكيمياء المصرية على طبيعة المومياء الخالصة. كما أن فحص المومياء «قدّم إسهاماً مهماً لتعزيز معرفتنا المحدودة عن عصر ما قبل التاريخ، والتوسع في ممارسات التحنيط الأولى»، على ما تقول الدكتورة المختصة في علم المصريات بجامعة «ماكواري» في سيدني، جانا جونز. وتضيف الخبيرة في ممارسات الدفن عند المصريين القدامى: «من خلال الجمع بين التحليلات الكيميائية والفحص البصري لجسد المومياء، والفحوصات الجينية والتأريخ بالكربون المشع، والتحليل المجهري لقماش الكتان، تأكدنا من أن عملية التحنيط الطقوسية تلك حدثت تقريباً في عام 3600 قبل الميلاد، لإنسان ذكر كان عمره ما بين 20 و30 عاماً وقت موته».


ماذا يعني ذلك؟
وفق باكلي، فإن حقيقة أن نفس تلك الوصفة استخدمت بعد نحو ألفي عام من ذلك التاريخ في تحنيط ملوك الفراعنة، يعني «أننا لدينا نوع من الهوية التي تجمع بين المصريين قبل تشكُّل أول دولة قومية عام 3100 قبل الميلاد»، مشيراً إلى أن «أصول تلك الهوية تعود إلى وقتٍ أسبق بكثير مما كنا نعتقد». كما أنها تكشف أيضاً عن رؤية حول كيف ومتى أتمّ المصريون القدامى وصفة الحفظ المضادة للبكتيريا، التي صانت وحفظت جثامين أمواتهم، وخلّفت وراءها المومياوات المصرية الشهيرة، التي نعرفها الآن. ويعد حفظ الجثمان مجرد خطوة واحدة ضمن عملية دقيقة للحفاظ على الجسد؛ إذ إن التجفيف ووصفة الحفظ «أمر أساسي من أجل حفظ الجثة»، بحسب باكلي.

الخطوات الرئيسة لعملية التحنيط:

إزالة الدماغ، ربما باستخدام عملية «خفق» بهدف تسييل الدماغ.
إزالة الأعضاء الداخلية.
وضع الجثة في ملح طبيعي من أجل تجفيفها.
طلاء الجثة بوصفة الحفظ، بهدف قتل البكتيريا وإغلاق مسام وفتحات الجثة.
لف الجثة في قماش من الكتان.