لم تمر الذكرى الثانية لرحيل المفكّر هشام جعيط (1935 -2021) بصمت، إذ أصدرت «دار نرفانا» التونسية كتاباً جماعياً بعنوان «هشام جعيط مؤرخاً للإسلام المبكّر» من إعداد سمية الوحيشي وتقديم نادر الحمامي. هذا الكتاب سبقته إصدارات أخرى اهتمّت بالمنجز الفكري لصاحب «أزمة الثقافة الإسلامية»، لكنّ العمل الجديد اهتمّ بالهاجس المركزي في مسيرة جعيط كمؤرخ تخصّص في دراسة الإسلام المبكّر منذ دراساته العليا في «جامعة السوربون»، وكان من أوائل المؤرخين العرب الذين اهتموا بالوحي والقرآن والنبوءة. لقد شكّل كتابه «الفتنة الكبرى» نقطة تحوّل كبيرة في دراسة الإسلام المبكّر، بل يمكن اعتباره «مؤسّساً» لمنهج كامل في الدراسات التاريخية. الدراسات التي تضمّنها كتاب «هشام جعيط مؤرخاً للإسلام المبكّر» الذي أسهمت فيه مجموعة من طلبة جعيط، تضع الأخير في مكانه وسياقه كـ «مؤرخ» للإسلام المبكّر في كتبه المتتالية مثل «الفتنة الكبرى» و«الوحي والقرآن والنبوءة» و«تاريخية الدعوة المحمدية في مكّة» و«مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام» وغيرها. يشير الباحث التونسي نادر الحمّامي في مقدمة الكتاب إلى أن اهتمام جعيط بالإسلام المبكّر «وثيق الارتباط بمشاغله الفكرية وبميله الفلسفي في بداياته، قبل أن يختصّ في التاريخ ونقدّر أنّ بحوثه في الفترات الأولى لنشأة الإسلام تمثّل شكلاً من أشكال التفكير في اللحظات الحاسمة من تاريخ الحضارة الإسلامية والعربية وتقليب النظر في منعرجاتها الأساسية، ولم يكن ذلك إلا في إطار فهم مخصوص للتاريخ وسعي إلى تحليل راهن العرب ومصيرهم في ظلّ التأخر الحضاري الذي طالما رصد جعيط مظاهره وأسبابه العميقة». فكتابات جعيط ودروسه كانت لأجيال من الطلبة التونسيين «سبيلاً للوعي بأزمتنا الراهنة» وهو «وعي عميق يتجاوز السطح الظاهر ليضرب في جذورها فيفكّك بناها التاريخية».
في الذكرى الثانية لرحيل هشام جعيط، يصدر هذا الكتاب باللغتين العربية والإنكليزية كتحيّة لروحه وتقديراً لمنجزه الفكري والأكاديمي، هو الذي غادر مقاعد الجامعة في منتصف تسعينيات القرن الماضي بعدما رفضت وزارة التعليم العالي التمديد له بسبب مواقفه السياسية المناوئة للسلطة آنذاك. يمكن اعتباره «أباً» لمدرسة في دراسة الإسلام المبكّر ومعظم الباحثين التونسيين الذين اهتموا بقضايا الإسلام المبكر أمثال عبد المجيد الشرفي، وآمال قرامي، وحياة عمامو، وسلوى بالحاج صالح، ومحمد سعيد، ونادر الحمامي، وزينب التوجاني...