ترجمة وتقديم: محمد الأمين الكرخي برحيل أمير ابتهاج سايه (1928-2022) في العاشر من آب (أغسطس) الحالي، يكون الشعر الفارسي الحديث، قد خسر أحد الأسماء الكبيرة التي قدمت أعمالاً خالدة أكان في الشعر الكلاسيكي المحدّث، الغزلية الحديثة تحديداً أو الشعر النيمائي (نسبة إلى الرائد علي اسفندياري نيما يوشيج). «لم يرد أن يُعرف، لكنه قال إنه يعرف كيف يقول معظم ما يريد قوله، أي أنه وجد طريقة للقول». لعل هذه العبارة تلخص سيرة شاعر عاصرت حياته وأعماله العديد من الاضطرابات السياسية والثقافية والأدبية الإيرانية.
ولد أمير ابتهاج سايه عام 1928 في مدينة رشت (شمال إيران). كتب في سيرته الذاتية التي نشرت في مجلة «حافظ» الفصلية: «إذا سأل أحدهم والدتي عن حالتي، كانت تبكي وتقول: — إن لديَّ ابناً مجنوناً. انتقلنا في الرابع عشرة من عمري إلى طهران ولم أقتنع بالدراسة، رسبت في المرحلة المتوسطة ولم أعد للمدرسة قط». انطلقت تجربته الشعرية في بداية شبابه مع ديوان «الترانيم الأولى» (1946). بعد ذلك، أصبحت گالیا، الفتاة الأرمنية التي وقع في غرامها، الملهم الأساس لقصائده الرومانسية. بعد سنوات طويلة من تلك العلاقة الغرامية، سيعود سايه إلى گالیا عبر القصيدة المنفتحة على القضايا السياسية، ليكتب مطوَّلتَه «لقد تأخرتِ يا گالیا». من هذه القصيدة تحديداً، فتح غزليته على أبعاد اجتماعية وسياسية معاصرة، جعلها تتمايز عما كتبه آنفاً شعراء الغزلية الكلاسيكية.

برحيل أمير ابتهاج سايه قبل أيام، خسر الشعر الفارسي الحديث أحد الأسماء الكبيرة التي قدمت له أعمالاً خالدة

يقترن اسم ابتهاج بالغزلية الفارسية الحديثة، رغم إسهامه المهم في الأشكال الشعرية الأخرى، فهو مُقِلٌّ في قصيدة التفعيلة والمثنوي، ويعتبر من أبرع الشعراء الذين نجحوا في أسلوب نيما.
تتميز قصيدته بمناخها ومشهدها المؤثر مع انفتاح وتأثر ملحوظ بدواوين الشعراء الكلاسيكيين وتراث النثر الفارسي، حرص ابتهاج سايه على أن يكون معاصراً من دون قطيعة مع الأدب الفارسي الكلاسيكي. وهي الخصوصية الأساس التي جعلت قصيدته ذات لغة وموسيقى مميزيتين عن سواهما.
مع إشرافه على قسم الموسيقى في الإذاعة والتلفزة الإيرانيين في سبعينيات القرن الماضي، قام مطربون تراثيون كبار أمثال محمد رضا شجريان، وعلي رضا افتخاري، وشهرام ناظري، وحسين قوامي، ومحمد أصفهاني بأداء بعض غزلياته وقصائده، وقد أسهم ذلك في اتساع شهرته بين الإيرانيين.
في حوار مع مجلة «جامط» الإيرانية، يؤكد ابتهاج أن علاقته بالموسيقى بدأت منذ صباه. كان حريصاً على الاستماع إلى موسيقى الشعوب من أجل العثور على اليوتوبيا الخاصة به، أي الموسيقى التي تمكّن جميع البشر من التواصل عبرها. في أحد اللقاءات الأخيرة التي تحدث بها إلى جمهوره في عام 2019، قال: «لقد كنت على دراية بلغة الشعر منذ حوالى 80 عاماً وأعتقد أنني أعرف كيف أقول معظم ما أريد أن أقوله، أي وجدت حلاً للتعبير، لكن القصيدة الأكثر تعبيراً التي كتبتها وأعتقد أنني راضٍ عنها، لا تعبّر عن جزء جد بسيط عما في داخلي». يضيف أنّ معظم الفنون في الفن الإيراني ليست فناً واحداً، بل هي مزيج من الفنون الأخرى: «أتمنى أن يتشارك القارئ في أسرار التعبير».
عبّر ابتهاج في أكثر من مناسبة عن انتمائه لليسار، من دون أن ينكر تواصله الروحي مع الموروث الشيعي في بُعده العاطفي. لقد ترعرع في كنف عائلة محافظة، ونشأ في بيئة ثقافية يسارية، ولا يرى أي تناقض في تصريحاته بين أنّه ماركسي يساري حتى آخر لحظة من حياته، وبين البُعد الروحي. يكتب قصيدة مطولة لِلْمُنَظِّر الماركسي إحسان طبري من جهة، وللحسين بن علي من ناحية أخرى: «يا حسين بن علي لا يزال دمك دافئاً يغلي من الأرض توجد حدائق الورود في كل مكان من نافورة دمك ترتوي حدائق». توفي أمير ابتهاج سايه في ألمانيا، حيث كان يقيم لسنوات عديدة، ولمْ تعلن أسرته بعد عن المكان الذي سيُدْفَن فيه.


شذرات من قصائده
على شفتي الحبيب ترتسم بشارة الحرية؛ هو الروح، وفداءً له: مائة طائر حبيس.
■ ■ ■

في أذن الوردة اليانعة وشوشَ العشب:
— أنت الوافدة مع الربيع، يا من وجهك أكثر نضارة من ألف ربيع.
■ ■ ■

لم يقبض قلبك على قبس القمر؛ حطِّمه يا صاح، إنما هو وعاء للغبار.
■ ■ ■

في وجهي شهر الصباح سيفه، صارخاً لماذا لم يقتلك الليل، اقتلني أنت كي لا أخضع لقضاء الليل.
■ ■ ■

بغية رضاك، تهب هذه الريح الزكية؛ حبّاً بك، تتراقص الأشجار وتتغنج الأزهار.
■ ■ ■

تنسج الشمس ظلها، تودعه في الأفق، وتسكن في دارك، أي حبيبي.
■ ■ ■

من دفء يديك، ثملة عيني؛ انهض فلأجلك ينثر الربيع الورد.
■ ■ ■

تحزنني خيبة الإسكندر، كلما بلغت كَالْخِضْرِ ينبوعَ الخلود.
■ ■ ■

نحن عشبة على بحر الوجود، وهل يزن البحر ثقل عشبة على مويجة؟
■ ■ ■

يقول لي:
- علاج ألم العشق هو الصبر.
ولكن، لماذا يحدثني عن الحجارة والكأس؟
■ ■ ■

من صرخة العندليب، يسيل الدم على العشب؛ الغوث من وردة تتآلف مع الشوك.
■ ■ ■

لا يفارق خاطِري خيال دامٍ يتربص بشجرة الأرجوان: منجل القدر.
■ ■ ■

مستنيراً بقنديل الصاعقة، أسير على خطى الصباح في متاهة الليل، كالرعد أصل بالصوت البالغ منتهاه.
■ ■ ■

وهذه القصص عن الفردوس وأمنية الجنة هي محض قول وخيال من عالمك وعالمي.
■ ■ ■

أصغ إِلَيَّ ، إني أحادثك بشفاه صامتة؛ فأجبني بنظرة هي لغتنا المشتركة.
■ ■ ■

في عيني يسطع شعاع وصالِه البهيج
■ ■ ■

لا خوف من الموت؛ أبسط قضية أمامنا: الموت. موتنا أسهل من قطف وريقة. وما خوفي إلا على هذه الحديقة؛ فأحد ما يتربص خلف الباب بفأس حادة.
■ ■ ■

يا للبشرى يا للبشرى، حظيت برضا الحبيب صرت ظلاً له وللشمس اصطحبني روح القلب وضوء المقلتين، أنا الحبيب المرضي والحبيب الراضي.
■ ■ ■

أنا أنا الكعبة، والقبلة أنا؛ أينما ولّيتم وجوهكم ثمة أنا.