لو أمسكت سمكة بيديك، وضغطتَ بقوة على أيّ مكان في جسمها، فماذا تتوقع أن يحدث؟ إنها لن تعضّك أو تخدشكَ بحراشفها على الأقل، ولن تصيح في وجهِك، وستظلّ صامتة من دون أن يظهر على وجهها أيّ تعبير. وإذا كنتَ إنساناً سخيفاً، فستظنّ أنّ السمكة مستأنسة بفظاظتك كما لو كنت تداعبها أو تدغدغها.نادراً ما نفكّر بأن السمكة تتألم، وذلك لأنها لا تُصدر صوتاً. فمن منّا فكّر إزاء اضطراب السمكة بين يديه، أنها تعاني ألماً فظيعاً، وأن أحشاءها تحترق لمجرّد ابتعادها عن الماء... ضَعِ السمكة جانباً، وكرِّر التجربة مع كائن آخَر، القطة مثلاً. هيا افعَل ما فعلته بالسمكة! اقرصها في ذنَبها فماذا يحدث؟
ستسمع على الفور زمجرة، يسبقها أو يليها خدشٌ في يدك أو في وجهك، ما يضطرّك إلى تحرير القطة أو تحرير نفسك بأقصى ما تستطيع من السرعة.
تجربتك مع القطة ستعلّمك أن تكون مهذّباً معها، وبالفعل، فقد استطاعت القطط عبر التاريخ أن ترسم حدوداً صارمة بينها وبين الإنسان... وأن تجعله يرهبها أكثر مما ترهبه.
والآن، وبعدما جرّبتَ السمكة والقطة، خُذْ إنساناً، واقرصه قرصة مؤلمة في مكان من جسمه أو من روحه، فماذا سيكون ردّ فِعلِه؟ سيزمجر بالطبع مثلما تزمجر القطة، وقد يبادر إلى قَرصِك مثلما قرصتَه بكلام جارح شبيه بالأظافر. وقد يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فيجرّكَ إلى عراكٍ قد تكون في غنى عنه. فإذا لم يفعل، فهذا يعني أنه قد تمّ استسماكُه، بهذه الطريقة أو تلك، وانتهى الأمر.