«هذا الجسد وحيدٌ مع نفسه/ إذا كانت الحياة التي يجرّها حدثت فعلاً/ إنّها خارج الوقت/ ولا عدد لها أو ميعاد/ زمن حرّ يجري كالدم/ زمن لا يزال يتنفّس ويدمدم في الداخل». هذه حال الجالس وحده، ووقع خطوات الجسد في الداخل، وثرثرته المتّجهة نزولاً وفق قصيدة «الجهاز» لعباس بيضون (1945)، من مجموعته الشعرية الجديدة «الحياة تحت الصفر» التي صدرت أخيراً عن دار «نوفل/ هاشيت أنطوان». الحدث الشعري يهدينا مجدّداً قصائد بيضون الذي يُعدّ أحد أبرز وجوه الحداثة الشعرية الثانية، هو الذي لم يكن قد غاب أصلاً طوال السنة الفائتة.
ماثيو بورجوا

إذ يضمّ الكتاب الجديد قصائد الحجر التي بدأ بنشرها على صفحته على فايسبوك منذ بداية انتشار الوباء. العزلة الإجبارية، ما هي إلا فرصة أخرى للشاعر اللبناني لمراقبة حياة تمضي أو مضت، في رحلات قائمة على الشكّ بما قد حصل ويحصل حقاً. الثابت الوحيد أن ما يحدث في هذه القصائد هو الكلمات وحدها. لغته تبدو وجوداً كاملاً، أو محاولة لابتكار حياة، كما لو أن هذه الأخيرة تتحقّق باللغة فحسب، وفق ما قاله في إحدى مقابلاته السابقة «حين تقتصر لعبة المرء على الكلمات، وحين يمكنه إعادة إنتاج حياته من الكلمات نفسها، عندئذ تغدو اللغة بكل ما فيها إقامة وتاريخاً وسيرة». يقتنص بيضون قصائده من السكون، ويتّخذ من تشابه الأيام ذريعة لخوض تنقّلاته في القصيدة. في السنوات الأخيرة، أفرج عن تجارب متنوّعة في الرواية والسرد والقصيدة، آخرها روايته «علب الرغبة» (2020). غير أن الشعر ظلّ مقيماً ثابتاً، يعاوده كمرض مزمن، وفق تعبيره. بين وباءين إذاً، تقبع مجموعة «الحياة تحت الصفر» التي تأتي بعد مجموعتَيه الأخيرتين «الحداد لا يحمل تاجاً» (2019)، و«ميتافيزيقيا الثعلب» (2016).

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا