أمارجي *من ارتطام البحيرة باللَّيل
وُلِدتُ

نجمةٌ شكَّلَتْ قحفي، ونجمةٌ حشفتي

القمرُ التحمَ بسرَّتي
وحين تيبَّسَتْ وسقطَتْ
تيبَّسَ وسقطَ معها –

(غرابٌ رماديٌّ أكلَ القمرَ في سرَّتي وسرَّتي في القمر)
إيتيل عدنان ـ «زهور I» (ألوان مائية على ورق، 1989)

بصعوبةٍ سحبوا شراييني من جذور النَّيلوفرات
وفكُّوا أعصابي من خيوط الطَّحالب
وفَصَلُوا جلدي عن لحاءِ النَّغت وقشرةِ الصَّفصاف

دفعةً واحدةً،
من قيعان الصُّخور المتورِّقة وأبراج التَّخليق
شُدَّتْ عظامي
ولُمِّعَتْ
في وجه نجم الشَّمال

من أزهار الجُمِّيَّةِ المرتجفةِ قربَ ولادتي جِيءَ لي بزغبٍ طريٍّ وأهداب

لي عينٌ تنظر عبرَ طاسةِ نرجسٍ
وعينٌ عبرَ مرجلِ زُحَل – من نظرتي أسيلُ على الأشياء
وابلاً من النَّدى والنُّشادر

كُوَيكبٌ قَدَحَ حصاةً فكان فمي
نقَّارُ خشبٍ نقرَ كوكبةَ معملِ النَّحَّات فكان لساني
مجرَّةٌ صَدَفيَّةٌ غلَّفَتْ حلزوناً فكانت حنجرتي

وُضِعْتُ لهباً أبيضَ في عشبٍ أسود

غُذِّيتُ
من حوصلةِ قنبرةِ ماءٍ في أوَّلِ الغسقِ الهاطلِ
من حوصلةِ دربِ التَّبَّانة

بغبار الأجناس الزَّائلة وغبار ما بين المجرَّات دُسِّمتُ

اجتازت نُخُعي
بلاشينُ وشُهُبٌ وشراغيفُ وأغبرةُ طلعٍ
وقشعريرةُ
الغاباتِ الصَّنوبريَّة الشَّماليَّة

أزهارُ الجيرانيوم هَسْهَسَتْ تحت جلدي

وبأنينٍ حديديٍّ
ردَّتْ عليها
قرائنُها النَّجميَّة

كزبرةُ البئر خرجَتْ من أذنيَّ
ونثرَتْ أبواغَها
في اتِّجاه الرِّياح

فيما ساخناً كان ينفتحُ بين صدغيَّ وينفرطُ عنقودٌ نجميٌّ مغلَق

حين نهضتُ لأمشي
اقتُلِعَتْ معي أبصالُ الفصيلة السَّوسنيَّة كلِّها
وجرَرْتُ ورائي
غيوماً وحدائقَ، أشرعةً وحزازيَّات

وحين فتحتُ فمي لأنطق
فرَّتْ آلاف الزَّرازير من قصباتي الهوائيَّة
آخذةً بمناقيرها
صوبَ أرخبيلاتٍ شاحبةٍ ميِّتةِ الأشجار
كلَّ الكلمات
التي أبداً لن أصرخ بها

(الكلماتُ التي سأصرخ بها ستكون دائماً كلماتٍ أخرى)

سأصرخُ من جوفِ البذرةِ والبرعمِ والنُّطفةِ والرَّحمِ والمئبرِ والميسمِ والسَّداةِ والمدقَّةِ والبُيَيضةِ وكبريتيدِ الزِّئبق
بكلِّ آلام انتفاخِ العنصر

يكفي لأجل ذلك أن أصرخَ من جوف قلبي
الذي هو قلبُ الأشياء
المَبِيضُ المدوِّخُ لوردةِ الرِّياح
كيسُ الكونِ البَوْغيُّ
الذي ينتفخ بهدوءٍ داخلَ شقٍّ في بطانةِ اللَّيل
ويوماً ما سينفجرُ ملقِّحاً كلَّ شيء

حينئذٍ،
أعودُ مع غبار الأُربوسةِ الغسقيَّة
مع البخار الخفيف لأنفاسِ وعلٍ أحمرَ مُحتَضَرٍ
مع النِّداء الموحشِ لتِفلِقٍ مائيٍّ مُستَوحدٍ
إلى طبقةِ الضَّباب الرَّقيق
التي بالكادِ تصدُّ جلدَ اللَّيل عن جلدِ البحيرة.

* اللاذقيَّة – سوريا