ليست هذه النصوص جردة حساب للأنقاض التي خلّفتها الحرب في الأرواح، أو صورة شعاعية للأجساد المعطوبة، أو بروفة للعشاء الأخير فحسب، إنما هي مقبرة متنقّلة لموتى مؤجلين، وأرشيف غير مكتمل بأصوات من نجوا بالمصادفة... أولئك الذين راوغوا الموت على بعد أمتارٍ من القذيفة، فكتبوا استغاثاتهم وهلعهم وطبقات الفزع المتراكمة فوق الجلد، لكنّ نصوصاً أخرى ستستنشق هواءً آخر، في الوقت المستقطع للخراب. ما إن نفضوا غبار القذيفة وشظاياها عن أعينهم، حتى ذهبوا إلى أسباب الحياة لفحص آثار الزلزال وتوابعه، وما يصلح للطمأنينة المؤقتة في شوارع بالكاد يستعيدون ظلال حجارتها وأرصفتها وأشجارها، وتالياً العمل على ترميمها بجرعات من التنفّس الاصطناعي. إنهم غرقى اليابسة يتفقدون أعضاءهم، والندبات اللامرئية التي خلّفتها سنوات الفجيعة، وآثار الكارثة، وعطب المسافة. نصوص بلا قيد نفوس، ولدت في عراء الجحيم، تلوذ بالهامش، تعانق أطياف المفقودين والموتى وفحم الجدران المهدّمة. ذوات تائهة تتمرّن على استعادة عمل الحواس، وصورة البلاد التي لم تعد بلاداً. نصوص مكتوبة بالبيجامات، تصطف في رتلٍ طويل في انتظار «الإعاشة». أصوات تختبر مذاق أيامٍ حامضة بأحبارٍ ملطّخة بهباء اللحظة ولا معنى النجاة، والسأم. لن نقع على مارشات عسكرية أو هتاف في الإيقاع، فقط الانتباه إلى مواعيد الحبوب المسكّنة للموت، والتشبث بما تبقى من أسباب العيش، بعناق، بذكرى، بجسدٍ محموم، بهجاء العنف، بطعنة مباغتة، باختطاف الجثث من المقابر وإعادتها في نزهات مرتجلة إلى الحدائق، ورائحة شوارع الأمس. كما أن هذه النصوص ـــ بارتباك تجارب بعض أصحابها، وبريق بعضها الآخر ــــ أتت من رحم الحرب، بمعنى أنها كتابات غير مخطّط لها، أو مفكّر بها، لولا ذلك النفير الذي عبث بالمعجم، ليضيف مفردات لم تكن يوماً من تضاريس الكتابة السورية. لذلك لم يكن مستغرباً أن نعثر على مفردات وعبارات مثل «مفخّخ»، و«جنزير الدبابة»، و«سواتر رملية»، و«الحاجز»، و«الطلقات الفارغة»، و«القنّاص»، و«كتل الكونكريت»، و«الالتحاق بخدمة الألم»، و«متحف للخردة والمصابين». هذه النبرة الطارئة في تعشيق الجملة بما يفيض عن حاجتها للمجاز، وضعت الكتابة الجديدة في مقلبٍ آخر، على الأرجح، للضرورة الميدانية أكثر منها خياراً جمالياً، فأين ما التفتنا، لا يمكننا أن نتجاهل قاموس الحرب في الاستعمال اليومي أو البلاغي. على ضفة أخرى، سنجد نصوصاً، ذهبت إلى تفسير العزلة، وفحص أحوال الذات المنهوبة والمنكسرة والمجهضة، أمام قسوة الفواتير مستحقة الدفع. هكذا قفز أصحابها إلى أزقة ما بعد الحرب، نحو مختبر نصّي مختلف، والصدام مع هوامش مهملة على هيئة يوميات، أو سرد مكثّف لالتقاط وتوثيق لحظة عصيّة ومارقة وسريالية، لفرط الانتهاك والاستباحة والعبث. سنردّد مثل جوقة ابتهالات فوق خشبة مسرحٍ مهجور: «كنت أربّي الخوف كحيوانٍ أليف»، و«كنّا جميعاً شواهد في حديقة البيت الذي كان بيتنا»، و«المقبرة التي على ظهري». هنا مختارات من كتاب «متحف الأنقاض: نصوص الحرب والعزلة» الذي سيصدر قريباً عن «دار نينوى» بمبادرة من «كافيه زرياب» في دمشق.
من سلسلة الفنان السوري هرير سركسيان «الحنين إلى الوطن»


أسامة الدياب
الحداد الأخير


مزّقت الزوجة منديل الرأس
نكشت شعرها
تلفعت بالنحيب وردّته إلى الخلف
الأخوات الخالات والعمات جميعهن
فرطن الدموع على مصطبة الدار
رمينَ غطاء الرأس
ورفعنَ الأنين كجسر
مضت الساعات بثقلٍ شاهق
المحاربون الذين وصلوا في أواخر الليل
لم يعودوا لا بطرحته
ولا بخاتم زواجه المرصّع بالياقوت الأزرق
لا بمصحفه الصغير
ولا حتى بخيطٍ من معطفه
بل بقداحته الصغيرة
وبندقيته الكلاشينكوف
نساء القرية المجتمعات في ساحة الدار
فرشنَ السماء بالعويل
الرجال واحداً تلو الآخر تداعوا
كخيوط كنزة منزلية
وحده طفله الصغير
كان يشدّ على القداحة الصغيرة
يشدّ على قلعة حلب المطبوعة حولها بألوانٍ ترابية
ويضحك، يضحك، يضحك
على صوت الزغاريد والآويهات السوداء
التي تتساقط زخاتٍ زخاتٍ
كالطلقات الفارغة.

إياد حمودة
ذئب يتناول المعلّبات


بأسناني..
أقضم العابرات..
العابرات من أمام المقهى
من أمام انتظاري المبكّر للسأم
من أمام السطر الفارغ المفخّخ..
بأشياء وأشياء
أبكّل أسئلتي كالأزرار
أمزّق الإجابات كالفساتين
ذئبُ.. يتجوّل في الجوار
ذئبُ.. يترنّح
ذئبُ.. يختفي بلا أثر
ذئبُ يتناولُ المعلّبات، ويفكّر بكِ
يدخّن أسوأ السجائر..
ويستبدل كل الروائح... برائحتك
ذئب... يا حبيبتي
ذئب
حمامة.. في المشفى العسكريّ
بينما..
أراقبُ حمامةً تتجوّل على البلاط..
في المشفى العسكريّ
يشدّني القلبُ لأراسلك..
وأقترح عليكِ..
أن نقضم دمشق أنا وأنت
ككوز ذرةٍ لذيذ
ما زلتُ أعثر في جيوبي..
على تذاكر الحافلات..
من جرمانا إلى باب توما
من باب توما إلى جسر الرئيس
من البرامكة إلى المزّة..
ومن الشوق إلى الوصال..

بسمة شيخو
أربّي الخوف كحيوانٍ أليف


كانت الأمور على ما يرام
كنتُ أنكسر
فأمسك المكنسة، ألمّ أشلائي
وأنا أسمع الأغاني بصوتٍ عالٍ،
قلبي يقف بعيداً قرب النافذة
يدخن ويصفّر،
يراقبني وأنا أصنع نفسي من جديد
ليأتي ويأخذ مكانه.
■ ■ ■
كنتُ أنفض الغبار الذي جمّعته
من حكاياتٍ قديمة،
أعطس كلما تطايرت حولي،
مع رذاذ عطاسي تتناثر الذكريات،
أعود خفيفة ولمّاعةً كما كنت،
أقف بثقةٍ في وجه الريح.
■ ■ ■
كنت أربّي الخوف كحيوانٍ أليف،
أربتُ على رأسه،
أتركه يلعق أقدام الغد،
كان يداعب أحلامي
ويرجف معي عند سماع أصوات الحرب،
كنت أزيّنه!
أجمل ما فيّ كان وجه الخوف!
■ ■ ■
كنت أخجل من أجنحتي
يشبهان جناحي ذبابة،
هشّين للغاية،
لا ريش أنفشه بين زملائي،
أغطيهما بعباءة،
ألفّ رأسي بوشاح
وأهتف بالناس كي يبتعدوا
لأحلّق عالياً.
■ ■ ■
كنت أتأقلم مع الغياب
أحبس أنفاس من أحب ببالون،
أتركه يزفر قرب وجهي كلما اشتقت،
كل شهقةٍ في البعد
أكوّرها
صنعتُ سبحة وأهديتها له
من ثلاثٍ وثلاثين شهقة!
كلما مرّرها بين أصابعه سمع صوتي.
■ ■ ■
كانت الأمور على ما يرام
أيام الموت تمرّ من جانبي خفيفة
أغمض عينيّ أحياناً
وتارةً أدير ظهري لوجهها القبيح؛
كانت الأمور على ما يرام
إلى أن سمعتُ بكاءً عالياً في البيت!

دمّر حبيب
خلايا حيّة


سوف نعيد مأساتنا الجماعية بالحركة البطيئة أمام شاشة عملاقة، ليرى كل فرد مأساته الشخصية. ولسوف أظهر وأنا أزيل صمّام الأمان عنها قبل أن أقدمها لك تلك الوردة
■ ■ ■
أريد أن أشارك الموتى تلك الخطوة العظيمة في الفراغ، حيث تلتوي ركبة الكون.
أريد أن أصل إليهم قبل الموت بقليل
لكي يقتلني دفاعاً عن نفسه.
■ ■ ■
الموتى الذين ينظّفون قبورهم في أيام العطلة  ثم يقومون بنزهة في ذاكراتنا ونحن بكل سذاجة نبكي كما معاً بكل سذاجة قهقهنا من قبل
■ ■ ■
المرأة التي اختفى ابنها في الحرب، كانت اليوم مثل كلبة نقيّة تشمّ ثياب الأطفال في «البالة» وتمسح دموعها بالقمصان الكبيرة التي نزعها رجال غرباء
■ ■ ■
هذا الطنين الذي يصنعه البعوض فوق رأسي، وأنا أكدح لأنعس يجعل من سريري سيارة إسعاف.

زيد قطريب
جنّة الجثث!


أطبخُ نسكافيه الحرب
وأسقيها للموتى!
ثم أكتبُ إليكم بقلبٍ مقسومٍ
وحبيبةٍ مقطّعةِ الأوصالْ!
■ ■ ■
الجثثُ المحبطةُ
تجلسُ كي تستنشقَ رائحة الدمِ
على الأدراجِ المشطوفةِ
في مداخل البنايات!
■ ■ ■
الجثة المعقوفةُ مثل حرف اللام
تنشر ثيابها على حبال الغسيل
وتنتظر حتى يجفّ الموت!
■ ■ ■
هذه المدينة تحتاج ورشةً لإصلاح الجثث
كراجاً ضخماً يركن فيه الموتى سياراتهم
وبطاريات تحافظ على الجراح يانعةً، كي لا يفسد الموت
■ ■ ■
أريد نصاً برأسٍ مقطوع،
وذراعين مفكوكتين،
تقول الجثة مسوّسةُ الأضراس
وهي تنحني كي تسقي الموت!
■ ■ ■
أحتاج نصراً صغيراً
بعينين مغمضتين وشعرٍ أجعد.
المدينة مسطّحة بلا نتوءات
وسافانا قلبي
تنبتُ في حقول الدم!
■ ■ ■
أفكُّ أزرارَ الحربِ
أتحسسُ نهدها المقطوع
ثم أكتبُ قصيدةً مقصوصةَ الذراعين!
■ ■ ■
الجثة الحدباء تعلق أصابعها بالملاقط
ثم تبحث عن أسنانها المفروطة
في مجالس العزاء وخيم تبادل الموتى!
الجثة الأرجوانية تملأ حقيبتها بالأمشاط وكتب الشعر!
■ ■ ■
نعلنُ الآنَ انتهاءَ الشوق!
سنجففُ مستنقعات الحقد،
ونتبادل المعاهدات مع البضاعة المهرّبة والمقاتلين
حيث القلوبُ تكمنُ خلف السواتر وأصابعها على الزناد!
■ ■ ■
يموت الشعراء في المشافي
في ثلاجات القصائد وغرف الإسعاف
تكونينَ ممدّدة بقربي
كي نرحل معاً.. يا سوريا!

سامر محمد إسماعيل
في غياب أهل البيت


الطواف حول البيت
أو الخروج من مداره
محاولة كي أعرف أين كان الباب؟
ولماذا بقيت النافذة في مكانها المعتاد؟
وكيف عرفتْ أسنان المفتاح تفاصيل القفل؟
ومتى آخر مرة رنَّ جرسُ الهاتف
في غياب أهل البيت؟
وآخر مرة صعدت المياه إلى صنابير الشرفة؟
ولماذا؟
لماذا كل نباتات الصالة تعربشت فوق صورنا الضاحكة
بلا سبب؟!
سوى أننا كنا جميعاً
شواهد في حديقة البيت الذي
كان بيتنا...

ستيفاني دالال
فزّاعة


دعني أقترب قليلاً
خطوة واحدة
كبداية..
أناسبُ كقالبٍ
الفراغَ بين ذراعيكَ المفتوحتين للريح..
اتركني أجرِّدكَ من سياجكَ،
سأكون رقيقةً
عندما أقتلعُ الخصلات الضّارة
من شعركَ الذي نضج قبل موسمه
أعِدُكَ..
لن أُعَرِّيَ أسنانكَ دفعةً واحدة
نصف ابتسامة تكفي
لأَمُدَّ يدي في عمقكَ
لأُمسك بطرف إصبع
الصبي المتكوّر داخل كومةِ القش..
الحربُ انتهت
وأنت نائم
يمكنكَ أن تخلع خوذتكَ الآن!
الشتلةُ التي نحمِلُها
مكشوفةُ الجذور
خوذةٌ صَدِئة قد تنفع
كحوضٍ آمن..
أسلاكٌ قديمة قد تصلح
لأرجوحة!

«شبـر أبعد»

هذه الحربُ تهزأُ بنا
كجذور بلا ساق
نخترقُ بأظافرنا ضيق الأحواض
من أجل شبر تراب أبعد
فنتدلى بين الشقوق حدّ الجفاف..
يموتُ أخي فجراً
الشـّمسُ وقحة تـُكملُ يومها
تليها شموس كل يوم،
الباعةُ المتجوّلون يسنـُّون الحناجر لصيد النـّوم،
الأكفان تـُباعُ على «البسطة»
برغيف خُبـْز،
المقابرُ تفتحُ أبوابها قبل عيون الله
مرهَقة كمحطات التوليد،
تستقبلُ المراجعين باكراً
على مختلف الانتماءات
والأشلاء..
يموتُ أخي فجراً
والعصفورُ نفسهُ ما زال
ينتظرُ فراخه القادمة في مكانه المعتاد
على ما كان شباك بيتنا..
هذه الحربُ
تهزأُ بنا
تُعلمنا في اليوم آلاف الطرق الملتوية للعيش
عن كيفية البقاء
نرحلُ نحن
هي تبقى!
تُرخي ظهرها على كرسيّ جدّي
تمد قدميها في وجهنا
تنتظرُ بابتسامة شمساً جديدة
بجماهير أقلّ
تشربُ قهوتها حلوة
في شـُرفة ما كان بيتنا..
هذه الأرضُ تبتلعنا
جذورُ نلفُّ تراب إخوتنا
لا شبر أبعد كما اعتقدنا
كان فقط شبراً
أعمق!


عبير شورى
الحرب تقتل النّاجينَ

 
دمشق مدينة «فوتوجينيك»...
بوسعكَ أن تقع في حُبِّها من الصورة الأولى..
لقطةٌ واحدة لفندق «الفور سيزنز» من فوق «جسر الرئيس»..
تكفي لتُقنِعَكَ بأنَّك تعيش في عاصمة الحداثة.
وأخرى لطفلٍ يلهو تحت قوس «باب شرقي»..
أو لِعاشِقَين يسيرانِ إلى اليمين قليلاً
حيث ما زالت القناديل تتدلّى من مشربيّات البيوت العتيقة.
ستجعلكَ تؤمن بأنّ الله لم يُغادر المدينة..
لكنّك بمجرّد أن تزيح عينيكَ قليلاً عن الصورة،
سيتسللُ الشَّقاء،
وتقفز الخرائبُ إلى المَشهَد.
يومٌ آخر بلا أطفالٍ ينتظرون حافلات مدارسهم.
هذه الحرب تقتل النّاجينَ أيضاً!
أريدُ دمشقَ أجملَ من صُوَرِها
كالعِناق..
أو كوجهك حين يُطِلُّ عليَّ في الصباح
مثل استراحةٍ وارفة على طريق سَّفر،
أُريد مدينةً لا يعرف أطفالها لونَ الدَّم..
ولا يلمَحونَ المعاركَ سوى في كتب التاريخ...

معتز حرامي
احتمالات مفتوحة


1
ﻟﻢ ﺃﻋﺪ ﻗﺎﺩﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺧﻮﺽ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ
ﻛﻔّﻨﺖ أﺧﻮﺗﻲ ﺑﻴﺪﻱ
ﻭﻟﻤﻠﻤﺖ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺃﺷﻼﺀ ﺭﻓﺎﻗﻲ
ﻛﻴﻒ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﺗﻞ
ﻭﻗﺪ ﺑﺖُّ ﺑﻼ ﺫﺍﻛﺮﺓ

2
ارفع صوتك قليلاً
قليلاً أكثر
أرجوك...
ارفعه عالياً
عالياً
كهذي السماء الزرقاء
ﻓﻜﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻻﻧﻔﺠﺎﺭﺍﺕ، ﺍﻟﻘﺬﺍﺋﻒ، ﺃﺻﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ،
ﺩﻗﺎﺕ ﻗﻠﺒﻲ ﺍﻟﺴﺮﻳﻌﺔ
ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﺤﺘﻞ ﺃﺫﻧﻲ

3
ربما
انتهت هذه الحرب اللعينة
غفت
ﺳﺎﻓﺮﺕ ﺑﻌﻴﺪﺍً
ﺭﺑﻤﺎ....
ﻛﻞ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ
ﻟﻜﻦ أﻱ ﻳﺪٍ
ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻤﺴﺢ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻬﺎﻻﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩ
ﺍﻟﻤﺮﺗﺴﻤﺔ ﺗﺤﺖ ﺃﻋﻴﻦ ذاكرتي

4
وﺃﻧﺖ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺸﺮﺣﺔ
ﺑﻘﺪﻣﻴﻦ ﻣﻜﺒﻠﺘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ
ﻛﻞ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺗﻐﺰﻭﻙ
ﺗﺤﺪّﺙ ﻧﻔﺴﻚ ﺃﻥ ﺧﻄﺄ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻭﻗﻊ،
ﺃﻭ ﺃﻧﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺎﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻠﻢ ﻣﺮﻋﺐ
ﻋﺒﺜﺎً ﺗﺮﺗﺎﺩﻙ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﺰﺭﻗﺎﺀ
ﺗﻨﺤﻨﻲ ﺃﻣﺎﻡ ﺟﺴﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﺐ
ﻋﻴﻨﺎﻙ ﻣﻌﻠﻘﺘﺎﻥ ﺑﺎﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺸﺎﺣﺒﺔ،
ﺗﺠﻮﻻﻥ ﻓﻲ ﺳﻴﻞ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ
ﻭﺍﻟﻀﺤﻜﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺪﻓﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ
ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺘﻠﻤﺲ ﻳﺪﺍﻙ ﺍﻟﺸﻈﺎﻳﺎ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ
ﺗﺤﺘﺮﻕ ﺃﺳﺮﺍﺏ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ﻓﻲ قلبك 

5
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺮﻳﻀﺎً ﻭﻻ ﻣﺨﺘﻼً
ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻋﺘﺎﺩ ﺩﺍﺋﻤﺎً
ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻈﻠﺔ ﻣﺜﻘﻮﺑﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ
ﻫﻮ ﻓﻘﻂ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﺴﻰ
ﻛﻴﻒ ﺍﻧﻬﻤﺮ ﺍﻟﺪﻡ ﻣﻦ ﺟﺴﺪﻩ
ﺣﻴﻦ ﺃﻏﺮﻗﺘﻪ ﺍﻟﺸﻈﺎﻳﺎ

6
«وصية»
لا تهدر طلقات مسدسك عبثاً
فجسدي منهك
وممتلئ بالثقوب
لا تبكني بعد أن أموت
بل ابتعد عني ودعني أغفو بهدوء،
وقبل أن تذرف الدموع علي
ارفع قدمك قليلاً
عن جسدي الملقى على الأرض
ودع الأزهار تنمو فوقه

7
أشجع الجنود
ذلك الجندي الذي يمشي
في مؤخرة الصفوف
دائماً ما تدمع عيناه
وهو يتعثّر بين حقولٍ من أجساد رفاقه المبعثرة

8
ربما
نحن الجنود العاطلون عن الحياة
ﻟﻦ ﻧﻨﺠﺐ ﺃﻃﻔﺎﻻً
ﻓﻘﻂ
ﺳﻨﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻈﺎﻳﺎ ﺍﻷﻟﻴﻔﺔ
ﻓﻲ أﺟﺴﺎﺩﻧﺎ

معاذ زمريق
ربطت اليأس بسلسلة قرب باب البيت
تماماً بالشكل الذي خطّطت له منذ زمن،
أسماك الوحدة أطعمها بانتظام
وها أنا أنتظر من يفترس الوحشة،
أخبرني أحدهم عن سرب من الطيور الجارحة
سيمر لأخذ الأغراض المستعملة.
تتناثر أحاديث هنا وهناك عن رجلٍ
قبل عامين، جاء إلى القرية من حرب بعيدة،
يجلس قرب البحيرة متوتراً
كأنه ينتظر غيمة ما!

عمران عز الدين
- المقبرة التي على ظهري


ستموت
ولنْ تَجِدَ من يدفنكَ!
قالت لي إحداهنَّ اليوم.
الثكلى
لمْ تنتبه
للمقبرةِ التي
على ظهري.

2
جثتهُ الّتي لمْ تُوَارَ الثرى
جثتهُ الّتي تَجوبُ البلادَ الآنَ
على مَتْنِ رصاصةٍ
تحرصُ
وبشدّةٍ
ألا يُذاعَ لها سِرٌّ
فَتُحْشَرَ في قبرٍ
قبل أنْ تستدلَ
على قاتِلها المأجور
لِتَحْمِيَهُ
من رصاصةٍ طائشةٍ.

3
تحت السّماءِ
فوق الخَرابِ
بالقربِ من ذلك البيت الْمُنَكَّلِ بهِ
ثمّة شجرةٌ
شجرةٌ باسقةٌ
اِحضنها
اِفرغ ما بجعبتكَ من صرخاتٍ
وامضِ.

هنادي السهوي
زحفُ إلى الحبّ كشجرةٍ مقطوعة


/ 1 /
عندما يحتضن السرير الخشبي جسدك الضئيل 
كم شجرة خضراء ترتجف في الحديقة؟ 

وأنت تنتقل بين غرفتين 
مارّاً بمكتبتك.. 
كم رواية تتحرك 
من مكانها على الرف؟

وأنت تشرب البيرة
وتشاهد مباراتك المفضلة 
تضع يدك تحت قلبك
مشجّعاً الاخضرار في الملعب
أتسلل إليك
حافية.. وفي يدي كتاب.

/ 2 /
مؤخراً أنا سريعة الحزن
وأشعر أن حضناً يهتزّ في داخلي
رائحة الخشب تقضم قلبي
زهرة الأوركيد كذلك
أتعمّد ترك نوافذ سريرنا مفتوحة لعصفور سيسقط
وأنك لو قلت لي الآن «أحبكِ»
لبكيتُ طوال الليل كطفلة.

/ 3 /
لا أعرفك؛ ولكنني أريدك
لا أعرف أيّ شيء عنك
ولكن أنا المرأة ذاتها
التي استيقظتَ ذات مرة
ووجدْتَها في مكتبتك
تبحثُ عن كتاب.

أنا وأنتَ ننامُ داخل حقيبة
ثم نمدُّ أيدينا إلى ندف الثلج خارجاً..
كم يقشعرّ قلبانا للفكرة.
..
عشيّة الميلاد.. تملكتني فكرة أنك ستمرّ في باب توما
وأننا سنعرف بعضنا ببساطة
وأننا سننحني لنلتقط أصواتنا التي وقعت.
..
أفكر الآن بالغابة الموحشة
بذئبها الذي ينام واقفاً مستعيراً ساق امرأة
..
سيّدي..
حين يسقطُ السرير.. وترتفعُ لحظتها كلّ الأشياء في الهواء
حين يسقط عواؤُكَ
في مَسامي.

/ 4 /
ستائرُ النوافذ المطلّة
على البحر مالحة

يقولون إنّ قطيع الثيران 
لا يدوسُ البنفسجةَ 
عمداً. 

أزحفُ إلى الحبّ
كشجرةٍ مقطوعة.