لكن لماذا يبدأ التأريخ عام 1260؟ علماً بأن المنطقة التي نعرفها الآن باسم أفغانستان، الممتدة من جبال هندو كوش إلى صحراء راجستان، كانت مأهولة بالسكان منذ قيام التجمعات البشرية الأولى، واجتياح موجات الفتح الهندية والفارسية والعربية والمنغولية والصينية هذه الأراضي أو أجزاء منها، كما تبعتها موجات تجارية امتدت على طول شبكة واسعة ومعقدة من طرق التجارة البرية المعروفة باسم درب الحرير أو «طريق الحرير». إن أحد أسباب اتخاذ عام 1260 منطلقاً لهذا المؤلف، هو تزامنه مع بداية خانة تشاقطاي التي أنشأها أحد أبناء جنكيز خان، ومع العصر التيموري اللاحق ونمو مدينة كابول محوراً رئيساً للقوة في البلاد.
يخبرنا الكاتب أن أفغانستان الممتدة من جبال هندو كوش إلى صحراء راجستان، بلد كبير ومتنوع حيث تعيش عشرات الجماعات «العرقيّة» والقبائل واللغات المحكية. أما تضاريسها الجبلية فلطالما شكّلت تحديات أمام التواصل مع المحيط وشجّعت شعوراً قوياً بالاستقلال الإقليمي. لكن ثمة سلالات عديدة تعاقبت على حكم البلاد قبل الحكم الأموي. لذلك فإن صياغة رواية متماسكة من هذه المواد المتباينة وسردها، تعدّ مهمة شاقة، لكن الكاتب أفلح في تناولها بنجاح. إذ واكب الوتيرة المتسارعة لتاريخ أفغانستان الغني من دون التضحية بأي من التفاصيل الدقيقة ما يجعله مرجعاً قياسياً في هذا القرن لتاريخ أفغانستان من الغزنويين إلى عهد أشرف غَنِي، باللغة الإنكليزية بحسب بعض من عرضه من أهل الاختصاص.
عود على بدء، افتتح الكاتب مؤلفه باستعراض مكونات المجتمع الأفغاني السوسيولوجية وصولاً إلى دستور عام 2004 الذي ثبّت البلاد على أنها دولة إسلامية، متجاوزاً حقيقة وجود ما يسمى أقليات أفغانية شيعية وأخرى إسماعيلية. وقد دمج الكاتب ميزة التركيز البؤري السريع مع التاريخ العام المتشابك والدرامي، الذي يقارب الـ 800 عام، وحدد جذور أفغانستان الحديثة في تعاقب كيانات إسلامية تمكنت من تطوير قدرات عسكرية وحكومة وحضارة في شمال الهند وفي المقلب الآخر من هندوكوش. يرى القارئ أن هذا المؤلف الذي يغطي ما يقرب من ثمانية قرون من التاريخ المتشابك والدرامي يصل إلى «العصر الفيكتوري» بحلول الصفحة 200. إذ يتناول الفصل الأول كل حاكم من الحكام، وكل عائلة وكل حملة من الحملات العسكرية عبر 500 عام من السلطنة الأفغانية المشمولة في الفصل الأول، لكنه يركز بشدة على خريطة تفاعلات أفغانستان مع الغرب في مرحلة ما بعد التنوير.
استعان بمصادر المحفوظات البريطانية والأميركية، وبنهج تاريخي لتغطية المحطات السياسية الحديثة في البلاد
مع أن تاريخ أفغانستان منذ التدخل السوفييتي حافل بالأحداث، لكن أهم الأحداث التي يتناولها الكتاب بالتحري والتقصي تلك المرتبطة بالتدخل البريطاني في البلاد. ومن الأحداث المفصلية التي يتوقّف عندها «سياسة عدم الاكتراث» أو اللامبالاة (Policy of Indifference)، وعلاقة «شركة الهند الشرقية» بحكام أفغانستان ومنهم أكبر خان الذي قاد عملية تدمير قوات الجنرال البريطاني ويليام إلفينستون، المقيمة في كابول (والبالغ عددها نحو 16500 فرد بما في ذلك المدنيون من عائلات الضباط الإنكليز) والتي انتهت بإبادتها وأسر قائدها الذي توفي في الأسر عام 1842، ودفن في قبر غير محدد. أخيراً، نستعرض محتوى المؤلف الذي يحوي مجموعة من الخرائط والوثائق المصوّرة: «المقدّمة»، «الإمارة الأفغانيّة (1260 ــ 1732)»، «نادر شاه (أفشار التركماني) والأفغان (1732 – 1747)»، «أحمد شاه والإمبراطورية الدرانيّة (1747 ــ 1772)»، «التشظي: تيمور شاه وخلفاؤه (1772 ــ 1824)»، «أفغانستان وحدود الهندوس (1824 ـــ 1839)»، «موت «التجربة العظمى» (1839 ــ 1843)»، «اتباع الحدود العلميّة (1843 ــ 1879)»، «تقليص الأمّة المخلّة بالنظام (1879 ــ 1901)»، «الإصلاح والاضطهاد (1901-1919)»، «أحلام تتبخّر (1919 ــ 1929)»، «عودة إلى المستقبل (1929-1933)»، «بيت منقسم على بعضه (1933-1973)»، «الجمهورية والثورة والمقاومة (1973-1994)»، «بين التنين وغضبه (1994-2017)»، «استنتاجات».
Afghanistan, A History from 1260 to the Present. Reaktion Books 2019. 784 pp., 105 illustrations. Jonathan l. Lee