إلحاقاً لعروضنا السابقة المرتبطة بمسائل المرأة والجندرية، نورد هنا عرضاً لجانب من حياة قرصانة إيرلندية هاجرت إلى أميركا الشمالية، وتحولت هناك إلى قرصانة في بحر الكاريبي. عرضُنا هذا ليس معنياً بقصة حياتها وإنما بالجوانب الجندرية الملحقة بها، كون هذه القرصانة التي عُرفت باسم مختصر هو «بوني»، تحولت بأقلام مؤرخين ذكور إلى أسطورة، أُضيف إليها كثير من الأساطير والأكاذيب والتأويلات المعادية للمرأة. كما أضيف الكثير إلى القصة الحقيقية عبر هوليوود التي أنتجت فيلماً ومسلسلاً عنها، يحويان كل شيء عنها، باستثناء الحقيقة. لقد سقطت قصة «بوني» في خيالات مؤرخين وصنّاع الأساطير والأدباء والسينمائيين الذين شوهوا حياتها وصورتها كإنسانة.

في «آن بوني... القرصانة المشينة»، يقول الكاتب فيليب توماس تاكر إنه يمكن عدّ قصة حياة بوني مختصراً لحيوات النساء في تلك العصور، وتعكس المفاهيم السائدة عن المرأة ودورها في المجتمع فقط كخادمة وولّادة. حياة بوني كانت بعيدة من الرومانطيقية، كما ترد في الكتب والأفلام، ذلك أن حياة القرصنة كانت قاسية للغاية تتطلّب جهوداً أضعاف ما يمكن جنيُه من أرباح. وللعلم، فإن معظم قراصنة تلك الفترة لقوا حتفهم على أعواد المشانق.
يقول الكاتب إن عمله هذا محاولة علمية لكتابة سيرة هذه القرصانة المثيرة التي نشطت في ما يسمى «العصر الذهبي للقرصنة» أي في العقد الواقع بين عامي 1714 و1724، وفصل الحقائق التي يمكن استنباطها مما كتب عنها، لكن عرضنا هذا يركز على أمر واحد وهو ردود الفعل الجندرية على نمط الحياة الذي اختارته.
يورد المؤلف أنّ المؤرخين الذين كتبوا عن بوني اعتمدوا على منطلقات ذكورية سائدة في تلك الفترة، وركزوا على نحو كامل على الإثارة. ويذكر مؤلفات عديدة، لكن أكثرها كان A Hsitory of the robberies and Murders of the Most Notorious Pirates، وهو متوافر في مختلف طبعاته في الإنترنت. ويلفت الكاتب إلى حقيقة أنه عندما وقعَت في الأسر، أو ألقي القبض عليها والحكم عليها بالقتل، كان عليها تلقي غضب المؤسسات الحاكمة في بريطانيا ونفاقها، وهي جميعها تنتمي إلى «الطبقات العليا» التي صبت جام غضبها على القراصنة الذين كانوا ينتمون إلى «الطبقات الدنيا». القرصانة بوني التي خاضت عالم الرجال، كما كان يقال في ذلك الحين، وُصفت بنعوت وصفات عديدة منها البغي والعدوانية والشجاعة والدهاء، المفترض أنها مخصصة للذكور فقط، لكن صفة «أكثر القراصنة وحشية في التاريخ» ألصق بها.
يقول الكاتب إن القرصانة لم تكن متوحشة ولا معتوهة ولا مجنونة ولا محبّة لسفك الدماء ولا طامعة في جني الثروات ولا مصابة بإدمان ممارسة الجنس ولا كبيرة كبيرات البغي ولا بغي رخيصة وما إلى ذلك من النعوت التي أُلحقت باسمها، وإنما امرأة تواقة للحرية بعيداً من التقسيم الجندري الملازم لتلك العصور. لم تجد ضالتها إلا في الإقامة في البحار حيث عملت بحارة، خافيةً حقيقة أنها أنثى ومرتدية ثياب الذكور. بوني لم تقتل أيّ شخص ولم تعتدِ على أحد، سواء في حياتها المدنية أو في الفترة القصيرة التي عملت فيها قرصانة.
التجني الإضافي على شخص بوني، جاء من طرف الحركات النسوية الغربية في سبعينيات القرن الماضي حيث تم تصويرها على أنها مثلية، فأسهمت في رسم صورة نمطية عنها، وبالتالي عن المرأة على نحو عام.
المرأة بوني لم تحظَ بهذه الشهرة لأنها أنجزت عملاً غير مسبوق بصفتها قرصانة. في الحقيقة هي لم تتمكن خلال تجربتها في البحار من تحقيق أي أمر ذي مغزى؛ هي لم ترتكب جرائم قتل ولا مارست السرقة ولا علاقة لها بحكايات الكنوز المدفونة في غابات جزر الكاريبي. اشتهرت بوني لأنها خاضت عالماً مخصّصاً للرجال. اشتهرت لأنها خاضت عالم الذكور وتحدَّت النمطية التي كانت سائدة في عصرها (وإلى حدّ ما لا تزال سائدة في أيامنا هذه).
من وجهة نظرها، لم تحاول القرصانة بوني كسب عيشها من خلال تقديم تسويغات دينية كما فعلت بريطانيا وإسبانيا عند احتلالها أراضي الشعوب الأخرى ونهب ثرواتها، ولا هي شاركت في إحدى أكبر جرائم العصر، أي تجارة العبيد، التي مكّنت تجار الدولتين من إحكام قبضتهم الاستعمارية والعنصرية على بلاد وشعوب كثيرة.
يحوي الكتاب معلومات كثيرة عن حياة بوني في إيرلندا وأميركا بعد هجرتها إليها. يوضح أنها كانت امرأة عادية، لكن ذات طموحات غير محدودة، ما جعلها متقدمة على عصرها، ولذا نوصي بهذا المؤلف الفريد الذي يربط النظرية بالحياة الحقيقية لا المتخيّلة في رؤوس الكتاب الذكوريين.

* Anne Bonny. The Infamous Female Pirate.(2017)- Feral house 2017. Phillip Thomas Tucker