لم يتعب يوسف الصديق (1943). الباحث التونسي المختص في أنثروبولوجيا الأديان والإسلام، يعدّ من الفلاسفة التنويريين الذين دعوا إلى قراءة عقلانية للنصّ الديني، معتبراً أنّ «مفهوم السلفية عبيط في المطلق»، لأنّه يقبل من دون أن يفكّر. على مدى نصف قرن تقريباً، أصدر العديد من الأعمال التي منع بعضها (كتب القرآن بصيغة مسلسل كرتوني) ويبقى أبرزها «لم نقرأ القرآن أبداً». حفرياته وقراءته المعاصرة للدين وتأويلاته للسيرة والحديث النبويين، عرّضته لمضايقات أصولية، ازدادت استشراساً بعد «ثورة 14 جانفي».
بعدما أطلّ صاحب «الآخر والآخرون في القرآن» على قناة «التاسعة» التونسية، ليدلي بتصريحات تندرج ضمن اشتغالاته الطويلة النفس منها أنّ القرآن «ليس برمته صالحاً لكل زمان ومكان»، اشتعلت حملة مسعورة تصدّرها شيوخ وأئمة مساجد اتهموه بالزندقة، وانبروا يحرّضون على صاحب «من هم الهمج؟ مسيرة مفكر في الإسلام». حملة بلغت أوجها وما زالت مستمرة في تحريضها على المفكر المعروف، مما دفع عدداً من المنظمات والجمعيات الأهلية والمدنية إلى إصدار بيان تضامني حمل عنوان «لا للاعتداء على حرية التفكير». رأت هذه الجمعيات (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان، جمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية، جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية) أنّه بعد حملات التشويه والتكفير التي تعرض لها الصديق بسبب تعبيره عن آرائه في بعض المسائل التاريخية والفقهية، تشدد على «تضامنها الكامل معه»، مذكّرةً بأنّ «حرية التفكير في كل المسائل مقدسة، ولا يمكن لأي كان مصادرتها». وتابعت أنّ «دستور البلاد التونسية يضمن كل الحريات الفردية، بما فيها حرية التفكير والمعتقد والضمير». وبعدما أكّدت أنّ «أحد المخاطر التي تهدد الانتقال الديمقراطي في بلادنا هي مصادرة كل فكر نقدي وتجريم الفكر المختلف ووضع الحدود الوهمية للتفكير»، حملت الحكومة التونسية مسؤوليةً في الاضطلاع بوظيفتها من أجل «منع كل تجاوز للقانون وتجريم للتفكير واستعمال التهديد والتحريض ضد الأشخاص ورميهم بالزندقة».