1- نساء بلادي نساء ونصف
أن تكون النساء في الصفوف الأولى وراء السيارة التي تحمل جثمان الفقيد الراحل في بلاد لم يكن فيها للمرأة مكان في مواكب الدفن والمقابر سوى طقوس الزيارة ونثر الحبوب للطيور، وأن تكون نساء تونس "نساء ونصف" يتزاحمن على أخذ مواقعهن لحمل تابوت الشاعر التونسي الراحل محمد الصغير أولاد أحمد بوصفه شاعراً لا أيقونة سياسية أو نجماً كروياً أوغنائياً. أولاد أحمد لم يكن شاعراً غزلياً بالمفهوم التقليدي للشعر في المجتمعات العربية حتى يجر وراء موكب دفنه النسوة بالعشرات، وقصيده الشهير «نساء بلادي نساء ونصف»، يعود إلى أوائل الألفين، غير أنه وجد مكانه في المجتمع النسائي التونسي خلال الأشهر الأولى بعد «ثورة 2011»، عندما بدأت تسري في البلاد دعوات وضغوط تتهدد المرأة ومكاسبها التي حصلت عليها على امتداد أكثر من نصف قرن، ليتحول القصيد وصاحبه إلى رمز تنصهر فيه شراسة الصمود وقوة التحرك النسائي الذي يتجاوز المفاصل السياسية والجيلية التقليدية ويبوئ المرأة مهما كانت شريحتها الاجتماعية إلى موقع إجباري لكل التحركات والتيارات السياسية على امتداد السنوات الخمس الماضية.

2- تزامن اللغة والتاريخ والمجتمع
تونس كغيرها من البلاد العربية بلاد تتنازع فيها ثلاث لغات المواقع الأولى في التخاطب من البيت، إلى الشارع، إلى المدرسة إلى استوديوهات الإذاعات والتلفزيون، ليس من اليسير فيها نفاذ الإبداع الشعري في أعماق المجتمع بالفصحى. ولمدة طويلة اقترنت الفصحى باللغة الخشبية السياسية، ما جعلها ممجوجة اجتماعياً. كما أنّ منافسة الشعر الملحون والأزجال والحوارات المرئية باللغة المحكية، جعلت من الشعر الفصيح هماً من هموم النخبة المتعلمة. أولاد أحمد، ذلك الشاب القادم من السباسب الوسطى محملاً بزاد لغوي متين وبالبسيط الممتنع، كان أيضاً مشحوناً بخيال الشعراء الشعبيين من بيئته، وكثيراً ما أسر لي رغبته الجامحة في أن يكون أيضا شاعراً باللغة المحكية. ولعمري، ومن خلال كتاباته النثرية في مناظراته مع خصومه من الإسلاميين أو في أشعاره المقتضبة، توصّل إلى تعويض ما تمناه من إبداع محكي بسلاسة لغته الفصحى وقوة نفاذها لقرَّائه، وقد تجلّى هذا بصورة خارقة للعادة خلال المدة الفاصلة بين 17/12/2010 و14/01/2011 وما بعدها عند انشائه يوميات القيادة الشعرية للثورة التونسية عبر صفحته على فايسبوك.

* شاعر وصحافي تونسي