فرانز رايت *ترجمة الخضر شودار

القصيدة

كان ذلك كما لو أني تلقيتُ رسالة حب من شجرة
بعينين مغمضتين إلى الأبد للعثور عليك
في ذلك حياة
لو كانت في مستطاعي
لاخترتها لنفسي منذ البدء.

كحول

تبدو مريضاً قليلاً
لكن في وسعنا أن نفعل شيئاً لذلك الآن.
أليس كذلك؟
في الحقيقة أنت كومة أنقاض مفزعة
هل تسمعني؟
ثم أنت لست وحدك.
يمكنك أن تستغل بعض العون اليوم، أن تعد حقيبة السفر
في الظلام، وتأخذ الباصات جهة الشمال، وتعيد المقعد كما كان،
بقشعريرة رعب طويلة عبر ساقيك
وأصابعك وشعرك...
كنتُ دائماً أنتظر، دائما هناً.
لا أعرف أي شخص آخر يمكنه أن يقول شيئاً كهذا.
نصيحتي لك أن تفكر فيها كما هي:
اسم آخر يترك جرحاً على لسانك.
ماذا كان يعني ذلك، قلتَ، «بالأحرى أن أتألم من أن
أكون سبباً في ألم غيري، ليس ذلاً».
أرجوك
هل لنا أن نغادر الآن.
نحن مثل باص الرحلات، تذكّر. بوسعنا
أن نرى معاً إلى حقول الشتاء تغيب خفية،
دون أن نلقي لها بالاً.
فكّر في ذلك.
فأنا ليس لي أن أكون في أي مكان.

قلب واحد

في ظهيرة نهار متأخرة عدت
من تسكعات طويلة لا علم
لأحدٍ بها. لأول مرة منذ شهر تقريباً
تغير كل شيء. إنها نهاية مارس، وها أنا
أحيا من جديد. هذا الصباح وصفت امرأة
ما يشبه تعاطي الكوكايين وأنت تحمل رضيعاً
بين ذراعيك. وفي لحظة ما، الضوء البارق والعاصف بدهشة
الغيوم والمياه كانت،
أنت
هناك قلب واحد فقط في جسدي، أسألك الرحمة بي.
الاوراق الداكنة التي دفنت أقدام الشتاء
الراكضة فوق العشب الميت بدأت تخضرّ، البنفسج
الذي لا رائحة له هنا أو هناك، عاد من جديد، والنجمة الأولى عرفت
كل شيء مرة واحدة فيما أحدنا يقف متأملاً المياه الحالكة. شكرا لك لأنك تركتني أعيش قليلاً كشخص
مُعافى، شكراً لك لأنك جعلتني أعرف ماذا
يعني هذا. شكراً لك لأنك جعلتني أرى سماءك الزرقاء
المخيفة بلا وجل، أن أرى عالمك المرعب
بلا رعب، وهوسك البارد عاطفياً وخسرانك اليائس
بكل هذا الحب.

وعد

ليال طوال، وأعوام قصار. وصمت رحيم
حين يأتي الصباح ومعه الألم
لا أحد غريب إذن، فهذا العالم كله بيتك.

دراسة

بشارع برودواي
شقراء نحيفة بكعب عال
متبرجة تدخن وتقهقه
بفجور
الوجه الآخر الداكن
من السكين
ثم هذه الطريقة التي يصل بها بعض الأمكنة
على الأرض
إلى نسيان المآتي
و تنبؤات السعادة
ثم الأنا التي ماتت (من الضحك والجمال)

ثلج يتهاطل على ثياب نومي

كانت تتعرى
وهي تنظر إلى عينيّ
كما لو أنها ذاهبة للسباحة فجراً
صدمة قلبية صامتة
هذا العطشُ مائي
البعض يقول
كلما أمعنت في الضلال
كلما نجوت
لا شيء يدهشني
ثلج يتهاطل
على ثياب نومي
ضع عقلك
أمام مرايا الأزل
وسيكون كل شيء على ما يرام.

تذكير

أغمضت عيني فرأيت
طائر لقلق في البرية
عالياً، في سماء زرقاء لا تحتمل.
في الماضي كان هناك أمل.
أكتب إليك
في كل الأوقات، أكتب
بكلتا يدي
ليلاً ونهاراً.

رسالة

لا أعرف أي أحد
هناك، إن خاطبني أحدهم
أرتبك
لكن لا أحد حاول معي حتى الآن، أعلمُ
فأنا لن أردّ
لا أشارك الآخرين، غير مسموح لي.
أنصت وحسب، ولكل صباح
وقت خاص للمسرّات، أستنشق
ثم أستنشق الى أن يعود الخوف. حين
يبادر بعضهم بإلقاء التحية على بعض
ينظر كل شخصين في عيني الآخر
ويمسك بيده لبرهة، الكنيسة واسعة، ومن بداخلها
يجلسون متباعدين. لا ضير.
أحملق على الدوام بعيني في الجثة العظيمة العارية، الجثة العمودية
التي قيل إنها الحب
وإنها تكلّمت إلى العالم
في الكينونة،
قبل المجيء إلى هنا
لتعذّبها الكينونة وتنفّذ فيها حكم الموت.
لا أعرف لماذا أنا هناك. أعرف
أنني كلّما فقدتُ الشعور
بما رأيته من قبل على أنه حياتي
كلما صار مكاني الحقيقي على مقعد الشتاء الداكن
لا نهائياً،
فما نختبره كمكان، السماء
أو الشمس والنجوم
حميمي وضئيل بالقياس الى ذلك.
وحين أخطو خارج البشاعة أتبعثر كلياً
شعور أحبه كثيراً، مثل طفل قاصر،
عزيز عليّ.
لو كان في وسعي فقط أن أخبر أحداً.
بهذا الخنوع الذي أستشعره
حين أتذكر حياتي الماضية
بأنه شعور لا يوصف إلا كمِنَّة.
لأنه بانقراضنا جئنا إلى الوجود.

شاهدة قبر

لستُ السكين
الأكثر لمعاناً في الدُّرج، لكني
أعرف بعض الأشياء
عن هذه الحياة: الفقر
والصمت، الانضباط
المشوش، والمجهول
هذا العالم ليس وهماً، فنحن جئنا
من الأرحام إلى بطاقة الموت المعلقة في إصبع القدمين
إن لم تكن مُشوَّشاً
فهناك خطأ ما خطير حولك، اعذرني
لكني أعرف من أكون
سأكون الصوت
القادم من حيث لا أدري،
من الداخل
اِفرحْ لأجلي إذن.

دوامة

اظن ان هناك غرفة في مكان ما
حيث أعيش
كرجل عجوز
في المستقبل
في غرفة خاوية
حيث أنا جالس أقرأ
وأنا أحاول
منحنياً على طاولة بثلاث أرجل
أن أخلق هذه الكلمات التي أكتبها الآن
والتي ستمر حينها خفية
إلى الزمن الحاضر
محاولاً أن أقرأ وأتذكّر
الغرفة
ضوءٌ ووقت النهار
حين كتبتها أول مرّة
أي تفاهة إذن، سأقول
وماذا كان اسمها
أي اسم كان
إسمها
سأقوم حينئذ
وأقترب من النافذة، من هذا الوقت
وهذا المكان اللذين أحب
حتى في الصمت الأخرس
في ما لا يقال مطلقاً
من أبسط الأشياء المؤلمة
كما كانت، تماماً
كما كانت في الأول
حين بدأتْ.

فرانز رايت، شاعر أميركي ولد في فيينا، النمسا عام 1953. تخرج من «معهد أوبرلين» في أوهايو عام 1977، وحصل على جائزة بوليتزر عام 2004 عن كتابه الشعري «المشي إلى مارتا فينيارد». صدرت له أعمال شعرية أخرى وترجمات لقصائد ريلكه ورينيه شار وقصائد هايكو ليوسا بوسون. توفي بسرطان الرئة في 14 أيار (مايو) 2015.