أنجيلا ديفيس مناضلة أفرو ـــ أميركية عُرفت في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته بأنشطتها الفكرية والسياسية، واشتهرت عالمياً بفضل نضالاتها داخل الولايات المتحدة ضمن حركة «الفهود السود» والحزب الشيوعي الأميركي. وقفت إلى جانب الضعفاء الفقراء في العالم وإلى جانب الشعوب المستعمرة والمضطَهَدة، ولا تزال، كما يظهر هذا المؤلف. الشعب الفلسطيني يعرفها من خلال نضالها العنيد ضد الإمبريالية والصهيونية.
سلطات "الإمبراطورية" الأميركية طاردتها حيث ترأست قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي)، عندما اتُّهمت ظلماً بالمشاركة في عملية تحرير مسلحة لمتهمين من قاعة محكمة. شغلت منصب أستاذ مساعد في مادة الفلسفة في "جامعة كاليفورنيا"، لكنها جرّدت من الموقع الأكاديمي نتيجة ضغوط الرئيس الأميركي رونالد ريغان الذي كان حاكم ولاية كاليفورنيا حينذاك.
المؤلف الحالي يحوي لقاءات أجريت مع المناضلة الأفرو ـــ أميركية التي تبلغ من العمر 72 عاماً، ولم تتعب من النضال، الفكري والعملي، ومحاضرات ألقتها في أمكنة ومناسبات مختلفة.
الإسهامات الواردة في المؤلف تغطي مجموعة من القضايا النظرية التي عالجتها أنجيلا ديفيس بين عامي 2013 و2015، وتراوح بين النضال الفكري ضد الرأسمالية إلى حقوق المرأة، واضعة رؤيتها للمادة في القرن الحادي والعشرين. هي المسائل ذاتها التي تصدرت مجالات نضالها منذ ستينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا.
إضافة إلى ذلك، تعالج بعض الإسهامات موضوع العنف الذي تمارسه السلطة الأميركية العنصرية ضد السود، منطلقة من حادثة فرغسون الشهيرة.
على سبيل المثال، محاضرتها الرابعة في المؤلف، «عن فلسطين وجي فور إس (G4S) والمُجَمَّع الصناعي للسجون»، ألقتها في الجامعة البريطانية (مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية SOAS) في 13/12/2013، تحدثت فيها عن مواضيع مختلفة تتعلق بالعلاقة بين تلك الشركات الأمنية والسجون المخصخصة والاستعمار.
من الجدير بالذكر أن G4S البريطانية هي أكبر شركة أمنية في العالم، مقرّها في لندن، وتعمل في 125 دولة، يعمل فيها 620000 موظف، وتعدّ بالتالي ثاني أكبر شركة في العالم من منظور عدد الموظفين. المناضلة أنجيلا ديفيس اختارت هذه الشركة الأمنية موضوعاً لمحاضرتها بالارتباط مع القضية الفلسطينية، لأن سلطات العدو الصهيوني كلفتها عام 2007 بإدارة السجون الإسرائيلية وحماية المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إضافة إلى حراسة بعض نقاط التفتيش في الطرق وفي أبراج الجدار الصهيوني المسمى "جدار الفصل العنصري"، ومراكز الشرطة هناك. مشاركتها السلطات الصهيونية في جرائم اضطهاد الفلسطينيين، وإساءة معاملة السجناء الأطفال الفلسطينيين، أدّتا إلى إدانتها عالمياً، في حملة قادها المناصر الجنوب أفريقي الأب دزمند توتو عام 2014.
أما المحاضرة التاسعة، التي ألقتها في "ديفدسن كولدج" عام 2013، فتستعرض النشاط السياسي من الستينيات إلى عهد الرئيس أوباما.
المحاضرة العاشرة والأخيرة، التي ألقتها أنجيلا ديفيس في "جامعة بوغازي" في إسطنبول في 9/01/2015، ضمنت رؤيتها للتضامن الأممي العابر للحدود، وأهميته للنضال في عصر العولمة.
المثير للانتباه في هذه المجموعة أن أنجيلا ديفيس ركزت على شخص الزعيم والمناضل نلسن منديلا، من دون إهمال ذكر رفاقه. لكن الراحل الكبير نلسن منديلا كان يصرّ على حقيقة أنه فرد في مجموعة، وهو أساس الفكر النيوليبرالي. لكن المناضلة الأفرو ـــ أميركية اعترفت بمكانته القيادية في النضال ضد الاضطهاد والتمييز العنصري، وذكَّرت المستمعين بأن الإدارة الأميركية لم ترفع اسمه من قائمة الإرهابيين إلا في عام 2008!
أنجيلا ديفيس شددت في محاضرتها على المشترك بين الزعيم الجنوب أفريقي الراحل والمناضلين الفلسطينيين ضد العدو الصهيوني. كذلك رحّبت بدعوتها إلى إلقاء المحاضرة بصفتها محلَّفَة في "محكمة براتراند راسل بخصوص فلسطين"، و"عضو اللجنة الدولية للسجناء السياسيين" ودعت إلى إطلاق سراحهم، كذلك أيّدت انتشار المقاطعة الأكاديمية للعدو الصهيوني (BDS)، التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، مع أن سلطات رام الله تعارضها، وأنهت المحاضرة بالقول بالخصوص: إن فلسطين ستتحرر.
محرر هذه المجموعة، فرانك بارات، فرنسي يهودي، عضو في لجنة المقاطعة الأكاديمية وفي اللجنة الإسرائيلية ضد هدم المنازل (ICAHD). أما صاحب مقدمة المجموعة فهو كورنل وِست، الفيلسوف والأكاديمي والناشط الأفرو ـــ أميركي، خريج جامعتي "هارفارد" و"برنستن". أما أنجيلا ديفيس، فاسم مناضلة رفيعة المستوى وقامة أممية نادرة، ومدرسة فكرية قائدة.