اهتم طارق رمضان (1962) في مؤلفاته بقضية «إصلاح الإسلام المعاصر والتأسيس لاتجاه إنساني وحداثي في الدين الإسلامي». أثيرت حوله سجالات كثيرة لا سيما في أوروبا. رأى بعضهم أنّ أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة في «جامعة أوكسفورد» يحمل أفكاراً أصولية تحت غطاء الليبرالية، واعتبر آخرون أنه يسعى إلى إرساء توجّه تقدمي في رؤية المسلمين لذاتهم والعالم المحيط بهم. في كتابه الجديد الصادر بالفرنسية «عن الإسلام والمسلمين: تأمّلات في الانسان، والإصلاح والحرب والغرب» De l’islam et des musulmans: Réflexions sur l’Homme, la réforme, la guerre et l’Occident Presses du Châtelet, 2014 انشغل حفيد حسن البنَّا في بلورة قراءة حديثة حول الإنسان والإيمان والسلام والجهاد في الإسلام، وإشكاليات اندماج الجاليات المسلمة في الغرب.

يعالج صاحب «الإسلام والصحوة العربية» بعض المفاهيم الإشكالية مثل الرؤية القرآنية للإنسان في الإسلام. يشدد على الأبعاد الروحانية والفهم الكوني تأسيساً على النص المقدس ومعنى الحياة بكليتها. يسيطر على الكتاب الطابع التأملي. يأخذ في الاعتبار مجمل التساؤلات الراهنة التي يطرحها موقع الإسلام اليوم وراهنيته، بما يفرضه من مقاربات عربية وأوروبية حول ملفات التطرف والمرأة والصراع السني ـ الشيعي وغياب الديمقراطية والحرب وسيطرة الأنظمة الاستبدادية.
يركز الأكاديمي المصري ــ السويسري في كتابه على أزمة الوعي الإسلامي المعاصر كما لو أنه يريد القول: «إن الأزمة في المسلمين وليست في الإسلام». يقدم قراءة هادئة، لا تخلو من الإفراط أحياناً للمسائل ذات الصلة بأحوال المسلمين شرقاً وغرباً. لذا يعمل على تصويب وإعادة تشكيل المفاهيم الأكثر عرضة للسجال النقدي في الدوائر الأكاديمية والسياسية. يرى أن الحب قاعدة واضحة في النص القرآني وغير قابلة للانفصال عن التراث الإسلامي مستشهداً بالآية 31 من سورة «آل عمران»: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. يؤكد أن جوهر الإسلام ينهض ويتطور على الحب؛ فكل التراث الإسلامي يدور حول تجربة القلب والعلاقة بالرب (Seigneur).
يخاطب صاحب «الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر» المسلمين في الدول الغربية. يشير في مفاصل عدة إلى ضرورة تحمل المسؤولية والتأسيس لادراك أكثر تصالحاً مع شروط الحداثة والاندماج والمواطنة والانفتاح على التعددية والشراكة الاجتماعية واحترام القوانين. تتجاوز الأفكار المطروحة مسلمي الغرب وتقترب إلى حد كبير من العالم العربي والإسلامي، خصوصاً حين يحذر من مخاطر العنف الديني الذي اشتد في السنوات الأخيرة.

يناقش وجهات النظر الغربية التي ترى أنّ الإسلام عنيف بطبيعته

لا ينظر رمضان إلى «الشهادة» في الإسلام من الزاوية التقليدية. يضفي عليها بعدين: الأول شهادة المؤمن في إيمانه التي تتخذ قالباً ذاتياً تصاعدياً في العلاقة مع الذات الإلهية؛ والثاني تحمّل المسؤولية أمام البشر؛ فالشهادة بالنسبة إلى المسلم تستبطن رسالة تُعبر عن الأنموذج الأفضل للشراكة الإنسانية.
يتأسس الإسلام الأوروبي الذي يُنظِّر له طارق رمضان في كتاباته على الإسلام المندمج مع المبادئ والثقافة الأوروبيتين من دون أن يؤدي ذلك إلى الامحاء. يشار إلى أن عدداً من الباحثين الأوروبيين والعرب عملوا على الإشكاليات التي يطرحها هذا المصطلح بينهم الألماني من أصل سوري بسام طيبي، والباحث الفرنسي في الشؤون الإسلامية أوليفييه روا الذي أصدر كتاب «نحو إسلام أوروبي» أشار فيه إلى أنّ الإسلام الأوروبي المتبلور خارج «ثقافات المنشأ» إسلام «أقلوي سكانياً وسيبقى كذلك» لكنه إسلام قلق «بدون سلطة سياسية» يبحث عن هويته الدينية في فضاء علماني لا يكترث للدين. («راجع: نحو إسلامٍ أوروبي» ــ تعريب خليل أحمد خليل، دار المعارف الحكمية، بيروت، 2010).
يدعو رمضان مسلمي الغرب إلى عدم الشعور بعقدة الأقلية وأن عليهم ممارسة شهاداتهم بوصفهم مسلمين غربيين قادرين على قبول القيم الغربية الحديثة. تعددت المحاور التي درسها وترتبط بشكل مباشر بالفكرة الأساسية للكتاب بدءاً من العلمانية والاندماج والإسلاموية والراديكالية والهجرة، مخصصاً للمرأة في الإسلام فصلاً ينتقد فيه العادات الاجتماعية المؤثرة من دون أن يساجل التخريجات الفقهية التقليدية.
في الجزء الثالث من الكتاب المعنون «الجهاد، العنف، الحرب والسلام في الإسلام»، يتطرق رمضان إلى الضوابط التي أسّس لها الإسلام في ما يتعلق بالجهاد وشروطه وأسبابه. يناقش وجهات النظر الغربية التي ترى أنّ الإسلام عنيف بطبيعته. يستحضر خلاصات بات يور (Bat Ye›or) «أي فتاة النيل بالعبرية»، وهو الاسم المستعار للكتابة والمؤرخة البريطانية من أصول مصرية جيزيل ليتمان (Gisèle Littman) التي اجترحت مصطلح (Dhimmitude) أو «الذمية». ينتقد طروحاتها لا سيما قولها إن الإسلام كدين غزو يُشرعِن استخدام السلاح.
يحدد رمضان الشروط الخمسة لشرعية الحرب أو الجهاد ضمن الأطر التي وضعها الفقهاء والعلماء في الإسلام، وهي على النحو الآتي: الحرب في حالة الدفاع، حرية العبادة، حرية التعبير، احترام الميثاق أو العهد، واجب التضامن الإنساني. يُنظِّر لـ مصطلح «الجهاد الاجتماعي» ساعياً إلى توظيفه في سياقات عدة من بينها الاندماج واحترام التنوع والاختلاف. يحلل في النهاية قضايا المواطنة وتماثل المسلمين مع بيئاتهم الغربية داعياً الجاليات المسلمة إلى الحوار والمشاركة والفعل والمبادرة. يتوجه «حول الإسلام والمسلمين: تأملات في الإنسان، الإصلاح، الحرب والغرب» في خطابه إلى الجاليات المسلمة في الغرب. يشكل خطوة نوعية لتصحيح الكثير من المفاهيم الإسلامية الملتبسة بالنسبة إلى الأوروبيين، وإن سيطر عليه أحياناً الطابع المثالي، وغابت عنه المعالجة السوسيولوجية للموضوعات المدروسة.