ترجمة: شاكر لعيبيهذه القصائد مترجمة ضمن مشروع أوسع لترجمة الشاعر فيليب جاكوتيه. نشرنا شيئا منه سابقاً، بينما القصائد الحالية لم تُنشر قط. وُلد جاكوتيه في مدينة مودن السويسرية سنة 1925. درس الأدب في مدينة لوزان وانتقل للعمل في باريس. تزوّج سنة 1953 واستقرّ في مقاطعة الدروم الفرنسية. ترجم، من الألمانية والإيطالية، غوته وريلكه وغونغورا وهولدرلين وأنغاريتي، وهوميروس، والكثير من الأعمال الروائية مثل رواية روبرت موزيل «الرجل الذي لا خصال له». حائز على جائزة وطنية سويسرية أساسية في مجال الترجمة وأخرى فرنسية.

أصدر العديد من المجاميع الشعرية منها «الجاهل، قصائد 1952-1956» (1957)، «العتمة» (1961)، «في ضوء الشتاء: قصائد» (1974)، «أفكار تحت الغيوم: قصائد» (1983)، «كرّاسة الخضرة» (2003)، «هذا القليل من الضجيج» (2008)، وهذه كلها صدرت لدى دار النشر الفرنسية «غاليمار». وأخرى عن دور نشر أخرى مثل «نار هادئة» (2007) لدى دار «فاتّامورغانا»، وهو عمل يتعلق برحلته إلى لبنان وسوريا عام 2004. أصدر العديد من الدراسات والبحوث والتأملات الشعرية. مُنح في شهر كانون الأول 1995 الجائزة الوطنية الفرنسية للشعر، ثم جائزة «غونكور» للشعر عام 2003 من بين جوائز أخرى.

* ملاحظة: ما بين الأقواس المعقوفة [...] هي من وضع المترجم.



*أغريجينته Agrigente 1

أعلى قليلا من هذا المكان ذي الأهداف النادرة، نبحث عن السُّلّم الذي [يصير] البحرُ [منه] مرئياً، أو على الأقل سيكون إذا كان الطقس رائقاً -
سافرنا إلى عذوبة الهواء، لنسيان الموت، للجزّة الذهبيّة...
على الرغم من تقدُّمنا في الطريق، بقينا على الحافّة، ليست هذه الكلمات المُتسرّعة ما يلزمنا، وليس هذا النسيان الذي [سيكون] هو نفسه منسيّاً بعد قليل
يبدأ المطر.
لقد قمنا بتغيير العام.
ها هي أنت ترى أرواحَنا المحكومةَ بالندم: يتوجّب، في صقلية نفسها،
قبول آلاف الأشواك من المطر على أيدينا... حتى الغد.


*عند الفجر

I


ليس الليل ما نظنه، قفا للنار وسقوطاً للصباح ونفياً للضياء، لكنه ذريعة لكي نفتح أعيننا على المخفيّ قدر إضاءته

خَدَمُ المرئيِّ المتحمِّسون المبتعدون، تحت أوراق الظلمات، أقاموا مسكن البنفسجيّ، الملاذ الأخير لمَنْ يشيخ دون موطن...


II



مثل الزيت النائم في المصباح الذي سرعان ما يتحوّل وهجاً كله ويتنفس
تحت القمر الذي تحلّق الطيور به2، أنتَ تهْمسُ وتحترق. (ولكن كيف نقول هذا الأمر الذي هو من الصفاء بمكان مُقارَنة بالصوت؟)
أنتَ النار المولودة على الأنهار الباردة، القبّرة المنبثقة من الحقل...
أرى فيك انفتاح وعناد جَمَال الأرض.


III



أتحدث إليكَ، يا صباحي.
لكن أليس هذا كله سوى طيرانٍ للكلمات في الهواء؟
الضوءُ رحّالٌ.
تلك التي احتضناها تصير تلك التي اُحتُضِنت، وتضيع.
للمرة الأخيرة في الصوت الذي تتوسّله، تنهض هكذا وتضِيء، [إنه] الفجر.


*فجر

لكأنه إلهٌ يستيقظ، ينظر إلى المشاتل والينابيع
نَدَاهُ على همساتنا وعلى عَرَقنا
يصعب عليّ التخلي عن الصور
يتوجب على سكّة المحراث أن تجتاز بي مرآة الشتاء والعمر
يتوجّب على الزمن أن يبْذرني.

*حقل تشرين الأول

العذوبة الكاملة شاخصة بعيداً، على التخوم بين الجبال والهواء:
ثمة مسافة، ثمة شرارة طويلة تُمزّق، تَصْقل ليوم بطوله
الأصوات الخجول
لطيور لا مرئية
الساعة الدهِشَة في العشب على ورقةٍ ذهبيةٍ
ثمة السماء بسِعَةٍ أكبر
الماعز بين الكلأ هو قربان3 من الحليب
لا أحد يعرف أين عين الأرض
ولكني أعرف الظل الذي تُلطّفُه مُبَعثَراً،
نحن نرى على نحو أفضل امتداد المستقبل
الأرض كلها مرئية
قابلة للقياس
ممتلئة بالزمن
معلقة بريشةٍ ترتفع مضيئةً أكثر فأكثر
تفّاح متناثر
في نطاق شجرة التفاح
بسرعة!
لتكنْ جِلدتها مشوبة بالاحمرار
قبل الشتاء!

على امتداد البصر

لا شيء سوى الجبال تتلألأ
لا شيء سوى نظرات متوقّدة تتقاطع
الشحارير والفواخت.


*اعتزازاً بتوزون Thouzon4

عندما تسلقَ الألمُ سقفَه المرغوب به، برزت له معرفة بديهية دون غشاوة.
لم يكن ليجد نفسه في حريته بعد، كأنه مجدافان وسط المحيط.
تقهقرتْ مع المياه السوداء الشهوةُ الخلابة للكلمات. هنا وهناك كانت تثابر الهزّات الضعيفَة التي كان يتابع جريانها الرقيق.
حمامة من الغرانيت نصف مخفية كانت تقيس، بجناحيها، البقايا المتناثرة من العمل العظيم المُبْتَلَع.
ثمة، على المنحدرات الرطبة، ذيل الرغوات والسباق الفقير للأشكال المنفصلة.
لعل امتياز الحصاد دون سُمّ قد يُلغى في العصر الصارم الذي كان يتفتح،
جميع الجداول الحرّة المجنونة للإبداع كانت قد انتهتْ من اندفاعها.
في آخر حياته يجب أن يستسلم للجرأة الجديدة التي ارتضاها له، في كل فجر، الصبرُ الهائلُ

النهار كان يدور على «توزون».
ليس الموت آشن [الصخور] المساوي لأمل الجليد.
في جوف المدينة المغمورة، كان قرن القمر يَخْلط الدمَ الأخيرَ بالطمي الأوّل.


*التمام التضاعفات

هذا الرجل لم يكن سخيّاً لأنه أراد رؤية نفسه سخياً في مرآته.
لم يكن سخياً لأنه كان يأتي من
الثريا ولأنه كان يبغض نفسه.

الظلّ المُسْرف نفسه، بكتائب من الأصابع العالية، ضمّنا معاً.
شمسٌ لم تكن البتة لنا، هربتْ مثل أبٍ على خطأ أو أُسيئت مكافأته.


*في دوّامة الثلج

ما زالوا يَخبّون في الفضاءات الجليدية،
ثُلّة من الفرسان الذين لم يستطع الموت إنهاكهم.
يُشعلون النيران في الثلج من بعيد فبعيد، [و] عند كل ضربة ريح يخبو اضطرام واحدة منها في الأقلّ.
هم قصار بشكل لا يُصدّق، عابسون، عَجِلُون، أمام الشرّ الشاسع، الأبيض والبطيء [الذي يتوجّب] مقارعته.
يقيناً، أنهم لا يكدّسون في أهرائهم الذهَبَ ولا
التبنَ، ولكن يُخْفون الأمل المَجلوّ بأقصى قدرٍ من الرعاية.
يجوبون الطرق بالوحش المُرْهِق الممحو، لعلهم قصار من أجل مطاردته على نحوٍ أفضل؟.
أخيراً، ندفع دائماً عن أنفسنا بالمعصم نفسه أنفاس الخَطْمِ القذر.