يغري عنوان كتاب جوزيف كشيشيان الجديد الصادر عن «رياض الريس للكتب والنشر»، ويستميل كل مهتم بالسياسية في المنطقة، وخصوصاً بسياسات المملكة العربية السعودية. عنوان «الإصلاحات القانونية والسياسية في المملكة العربية السعودية»، يبدو طويلاً وعميقاً، ولولا أن اسم كشيشيان يحيل على الدراسات الأكاديمية البحثية، لظن القارئ أن العنوان ساخر. إذ اي اصلاحات تلك التي يتحدث عنها؟ وأين؟ في المملكة العربية السعودية؟! لكن الكتب لا تقرأ من عناوينها، كما المكاتيب. ولا تقرأ فقط من أغلفتها الخلفية، التي يفترض أنها تعطي فكرة عن مضمونها. ما ورد في الغلاف الخلفي لكتاب كشيشيان، يوحي بأن الكتاب يعالج قضية يطويها الكتمان، وأن هناك إصلاحات تكاد تكون «سرية» قام بها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وهي إصلاحات سيولد تأثيرها «سلسلة من المخاوف السياسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وغيرها من القوى العظمى».
ومع قراءة هذه العبارة في الغلاف الخلفي، تصبح القراءة واجبة، إذ إن الإصلاحات المفترضة التي يتحدث عنها الكتاب لها تأثيرات «الى ما أبعد من الشرق الأوسط». الخوض في الكتاب، يكشف عن نبرة «بلاطية» في لغة كشيشيان، نبرة متملقة للملك الراحل (ولم يكن راحلاً بعد حين كتابة الكتاب)، ونبرة محتفية بـ»إنجازات» عبدالله، ودوره في إرساء تدابير إصلاحية، «شكلت منذ العام 2005 عملية ثورية فريدة من نوعها في المملكة». نعم، حرفياً، يعتبر الكاتب مجموعة من «الإصلاحات» السياسية والقضائية، عملية ثورية فريدة من نوعها. وعينة من هذه الإصلاحات إقرار «مشاركة المرأة في حق التصويت والترشح في الانتخابات البلدية بدءاً من العام 2015»، ومشاركتها في «مجلس الشورى كعضو». هذه هي الإصلاحات «الديمقراطية» بحسب كشيشيان، والتي صدرت عن ملك «شجاع» هو الملك عبدالله، وهي «ترسي تدريجياً العملية الديمقراطية في المملكة»! أي نوع من الديمقراطية هذه التي يمجدها كشيشيان؟ «يمكن وصفها بأنها ديمقراطية لم تخالف أو حتى يجب ألا تخالف التقاليد المحلية». هذا ما يقوله في الكتاب. هي ديمقراطية لا يجب أن تخالف التحالف التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ. أي أنها ديمقراطية لا يجب أن تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى اي تغيير في طبيعة الحكم السعودي. وهي ديمقراطية، بإقرار صاحب الكتاب، لم تستطع أن تؤمن حق المرأة في قيادة السيارة، وهو حق بديهي منحه داعش للنساء في مناطق نفوذه، ولم تمنحه السعودية بعد لمواطناتها.

يطغى المديح على الوقائع، والمبالغة على المنطق
وعلى الرغم من اقراره بعجز النظام السعودي عن اعطاء المرأة ابسط حقوقها، إلا أنه يرى أن الملك عبد الله «لم يكن حاكماً مستبداً يمارس سلطته المطلقة»، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سلطات الملك مطلقة بالفعل بحسب دستور العام 1992، وهو قادر اذا ما اراد استخدام سلطاته على ان يمنح حق القيادة للمرأة، من دون الاضطرار إلى المرور بأي نوع من الإجراءات القانونية. ويحمل التفاؤل (لا بل التملق) كشيشيان إلى الحسم بأن «النتائج المنتظرة المحتومة لإصلاحات الملك هي في جعل المساواة بين الرجل والمرأة في السعودية واقعاً». وما تأخر ذلك بحسب كشيشيان إلا لأنه «أسيء فهم مبادرات الملك عبد الله»، وربما نسيء فهم كشيشيان نفسه، الذي يحاول إقناعنا بأن الإصلاحات هدفها «تجديد المؤسسات الحيوية»، من دون أن ينسى إضافة أن من أهدافها أيضاً «تمكين أسرة آل سعود الحاكمة». فوق ذلك يخصص كشيشيان فصلاً من كتابه للحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالمملكة العربية السعودية، على ضوء الإصلاحات الذي تحدث عنها الكتاب. ويخلص إلى أن هذه الإصلاحات تزعج الولايات المتحدة، واكثر من ذلك، فإن السعودية، في أكثر من مناسبة، أسمعت اميركا على لسان عبدالله اقسى الكلام في ما خص الانتهاكات الإسرائيلية وسياسات أميركا في المنطقة. ويبدو عبدالله في ما كتبه كشيشيان، كبطل قومي وقف في وجه العنجهية الأميركية الداعمة لإسرائيل، ووضعها عند حدها، وينقل غضب عبدالله من جورج بوش خلال زيارته إلى مزرعته، حينما زوده في تلك الزيارة بشريط فيديو عن المجازر الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي المحتلة. ومن المشاهد التي أغضبت عبدالله، بحسب كشيشيان، «قيام جندي إسرائيلي شاب بالدوس على رأس امرأة فلسطينية عجوز وتثبيتها». يقشعر البدن عند قراءة هذه الكلمات، خصوصاً أن الملك عبدالله هو ملك «الإنسانية»، لا يداس على أحد في مملكته، ولا يجلد أحد، ولا يعدم أحد لأنه قاد تظاهرة ضد نظامه «الإصلاحي». يحاول الكاتب في مختلف مقاطع كتابه أن يلمع صورة الملك السعودي الراحل، بتذاكٍ مكشوف، يطغى فيه المديح على الوقائع، وتطغى المبالغة على المنطق. هل قلت «إصلاحات» يا كشيشيان؟