لمياء المقدّم *عزيزي أنسي
أغار عليك، من امرأة لم تعرفها، لكنها عرفتْكَ في شعراء كثيرين، والتقتك في قصائد لم تكن موجهة منك أو إليك، في معارك شرسة واتهامات بين حبيبين على مرأى المارة والقراء.
كلما غار رجل، تذكرتك، كلما بكى شاعر رأيت دموعك، كلما حملني رجلي بين ذراعيه، انتهيت الى سريرك.
أغار عليك من شاعرة لم تقرأها، شاعرة صالحتها على الغيرة، على الدموع وانكسار المحب، على رجفة القلوب، وعض الحبيبة في المنطقة الأوهن، على الخنق والتضييق والتعذيب والتركيع
والموت.

أغار عليك من امرأة كتبت لتقرأك، أحبت لتجدك، ضاعت لتعثر عليك، تألمت لتذوق دموعك، ارتجفت لتجس دفء يديك.
أغار عليك من نفسك، التي ذهبت وتركتك هنا، بيننا، مشتتاً في القلوب الكثيرة التي أحبتك، عارياً تماماً ومصلوباً على عود كهرباء يضيء للشعراء طريقهم.
أغار عليك من القصيدة التي استحمت، وتزينت، ولبست أجمل ما لديها وجلست في الشرفة تنتظر عودتك لتأخذها الى آخرها، وفي كل ليلة تطلع مجدداً الى الشرفة، وفي كل ليلة لا تأتي تذهب الى النوم وحيدة وهي تحلم بيدك.
أغار عليك مني، من بنات جيلي، من الشاعرات يقرأن شعرك ويتأوهن، من الحبيبة التي يقرصها الحب فتبكي، كل حبيبة، أية حبيبة، أنا الحبيبة.
أغار عليك من الرجل الذي أحب، أن يكتشفك في نصي فيهجرني ويحبك. أغار عليك من الغياب الذي أخذك، لوهلة ربما، ثم لوهلة أخرى، وتمر الآن سنة وهو يمسك بيدك ويجوب بك مدناً وعوالم مدهشة، وانت تتبعه مستسلماً منتشياً، كطفل صغير أخذه عالمه السحري ونسي أمه تنتظر على عتبة بيتهم وفي يدها فردة حذاء.
أغار عليك من المقبرة التي تضم جسدك، من الزهرة التي نبتت ثم ماتت، من أخرى ستنبت بعد قليل، وسوف تموت بعد قليل، من لونها، من رائحتها، من نظرة العابرين لها.
أغار من عظمك يرقد في التراب، كالغصة أو كالندبة، من وجهك يذهب الى الجهة الملأى ويتركنا للفراغ. من شاعر سوف يولد، من جلسة شعراء بلا امرأة واحدة، من جلسة شعراء بلا شعر، من كتاب تملأه قصائد الحب، والبكاء، من قصائد متألمة، من صورة امرأة في قصيدة، من صورة شعرية في امرأة، من صحيفة تصدر دون صورتك، من تهاطل الشعر على شاعر لأول مرة، من الحب بين شاعرين، يجلسان على كتابك في حديقة عمومية. من كتابك في يد امرأة تنظر في مرآة، من المرآة والكتاب يتبادلان العشق وينكسران. أغار الى هذا الحد وأفتقدك.
* شاعرة تونسية