زيارة وليد دهمان وزوجته الإنكليزية جولي إلى فلسطين المحتلّة، استمرت لعشرة أيام فقط، إلا أنها ضمت في طيّاتها أكثر من حياة. حيوات لشخصيات فلسطينية عربية وأرمنية، إنكليزية، إسرائيلية... في هذه المساحة المحدودة بإحكام ترسيم الحدود بين الدول، رسم الروائي الفلسطيني ربعي المدهون (1945)، حدود روايته الموسيقية «مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، الحاضرة في القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» العربية، والمنتظر إعلان الفائز بها في 26 الشهر الجاري.
اختار المدهون لروايته بناءً فريداً يتماهى مع الكونشرتو الموسيقي، مرونة الفنون والتقاء المصبّات بالمنابع عبر عدة حقول فنية وأدبية خلق مساحة كافية لهذا المزج الفريد. في الحركة الأولى من الكونشرتو تحب الفلسطينية الأرمنية إيفانا أردكيان طبيباً بريطانياً وترحل معه إلى بلاده، وبعد عمر طويل توصي إيفانا بحرق جثتها ووضع رمادها في بيت أهلها بعكّا، ذريعة موغلة في الإنسانية ومرتبطة بصلب المأساة الفلسطينية تحملنا إلى فلسطين. في الحركة الثانية تطل رواية «فلسطيني تيس» التي تكتبها جنين دهمان، عن محمود دهمان الذي يعود إلى المجدل سراً متحدياً كل العوائق ويرفض مبارحتها. وفي الحركة الثالثة نحن بصدد قصة جولي ابنة إيفانا، وزوجة وليد الدهمان اللتين تقومان بتنفيذ وصية الأم الفلسطينية الأرمنية بإعادة رماد جثتها إلى بيت أهلها في فلسطين. الحركة الرابعة تحكي زيارة وليد لمتحف «يد فشيم» لضحايا المحرقة النازية، الأمر الذي يتحول إلى مقارنة بين ضحايا الهولوكوست وضحايا مجزرة دير ياسين.
يحفر المدهون في خطين متوازيين إذن، من ناحية هو يولّف تصوّرات حداثية في الهيكل والبناء الروائي، ولا يرتكن للبنية الكلاسيكية الفلوبيرية إن صحت التسمية، وهو الأمر عينه الذي اشتغل عليه في روايته السابقة «السيدة من تل أبيب»، ما يشير بشكل حاسم إلى أننا أمام مشروع روائي ممتد. ومن جانب آخر ينقّب في الملف الإنساني، مستعيناً بيحموره الفلسطيني، ومعرفته بكل تفاصيل وزوايا هذه الحكاية العربية الحزينة. إذ أن المدهون نفسه كان أحد ضحايا الهوية عندما وجد نفسه بعيداً عن وطنه أكثر من مرة، في سلسلة تداعيات المأساة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي. ليستقر به المطاف في النهاية في لندن التي يقيم فيها منذ سنوات.
تواجد «مصائر ...» في «البوكر» العربية، يمثل الحضور الثاني لربعي المدهون في القائمة القصيرة للجائزة صاحبة العشر سنوات، وبإضافة هذا الأمر إلى فنية العمل وإحكامه على مستوى الحرفة، ومن قبل ذلك احتشاده بهذا القدر من النوستالجيا والعذوبة والشجن وحب الحياة. كل هذا يجعل من الرواية عملاً مرشحاً بقوة لقطف الجائزة.
«كلمات» التقى الروائي الفلسطيني في القاهرة، وكان الحوار التالي:

الاسرائيلي في روايتي هو نفسه الإنسان الذي يرتكب بحق الفلسطيني أفظع الجرائم


■ لماذا اخترت هذا البناء الموسيقي لرواية "مصائر"؟ هل كان ذلك نوعاً من "الضرورة الفنية"؟ وكيف ترى مسألة التكامل والتواصل بين الفنون المختلفة؟
ـــ النص هو الذي يختار. في «مصائر..» ثمة بطولة ثنائية: شخصيتان تتحركان في إطار حكاية، ضمن اربع حكايات، في كل منها "حراك" سردي، يؤسس لجدل يشابه حوار آلتين موسيقيتين مع أوركسترا في قالب الكونشرتو. قررت "مسايرة" تفاعلات النص في إطار هذا التشكيل، والتأثير في مسار السرد للحفاظ على تناسقه ضمن القواعد العامة التي تحكم الكونشرتو، التي تميزه عن قوالب موسيقية أخرى. تسمح بهذا، العلاقة القائمة بين الفنون على اختلاف اشكالها. فالكلام يلحن. والحكاية تتحول، في الباليه، الى حركات تعبيرية راقصة تستجيب لعمل موسيقي. بينما تصبح الحكاية، أداء مسرحياً "سرده" مغنى في الأوبرا. وتستعير السينما الأفكار والحكايات والروايات في انتاجها، بينما تركن الى المؤثرات الصوتية الطبيعية، وكذلك الموسيقية، والرسوم الثابتة والمتحركة لخلق توليف درامي يستكمل بناء المشهد. وتنتج أشكال الفنون المختلفة عادة، تأثيرات حسية لدى المتلقي/المستمع/المشاهد، لا تختلف عما تنتجه الرواية، من رضا، أو شعور بالراحة، بالارتخاء، بالتأمل، بالفرح، بالحزن، بالقلق، بالاثارة والتحفز، والاعجاب، الترقب وغيره ذلك. ويصاحب هذا كله قدر متباين من المتعة. ويمكن للرواية بدورها، ان تستعير أشكالاً فنية أخرى وتوظفها لخلق "مؤثرات" تسندها.

■ ألمْ تخشَ التداخل "الهوياتي" بين المجاميع العرقية والثقافية المختلفة في "مصائر" (فلسطينيون عرب، فلسطينيون أرمن، إنكليز، إسرائيليون)، ثم ألم تخش من تهمة "أنسنة العدو" أيضاً؟
ـــ "نِجيب مِ الآخر": الكاتب الذي يضع حساباً لاتهامات من أي نوع كان، لا ينتج إلا عملاً عادياً، يعيد إنتاج سابقه، ولا يقوى على تقديم إضافات، ويبقى، في النهاية ساكناً، غير محفز على القراءة. أما الحديث عن «أنسنة» العدو، فهو تعبير عن حالة من الرهاب والخوف من اثارة جدل حقيقي حول قضايا يجب أن تناقش. كل الشخصيات الروائية، ومنها شخصياتي، تنتمي الى الانسانية، لكن مواقفها في الحياة ومنها هي ما ترسم حدود انسانيتها، أو تقرر الخروج عليها، وتأخذها الى عالم شيطاني النزعة. والاسرائيلي الذي يظهر في نصوصي، هو نفسه الانسان الذي لا يكف عن تخليق المشاكل للفلسطيني، ويهدده في حياته اليومية، ويرتكب بحقه أفظع الجرائم والممارسات العنصرية. لكن لي طريقتي في نقل هذه الممارسات في عمل فني، تقوم على تجنّب التنميط، وعدم فرض الايديولوجي والمسبق على نص أدبي. ولهذا انطلق من الانساني المفترض، تاركاً للشخصيات (الاسرائيلية) الفرصة للتعبير عن نفسها. ففي النهاية، هي من ستكشف بممارساتها للقارئ، كل ما هو شيطاني فيها.
أما تنوع الهويات، فأعتبره من إيجابيات "مصائر .."، وخصوصاً الدور الذي أعطيته لشخصيات أرمنية، كونها جزءاً من النسيج المجتمعي في فلسطين. في "مصائر"، كانت ملامح الشخصيات واضحة وهوياتها محددة مثل سماتها. ولم يكن ذلك عائقاً أبداً، أو يشكل تداخلاً. بل تفاعل تماماً مع ثيمات الشتات التي بُني عليها القسم الأكبر من النص.

■ بعض الشخصيات الثانوية في عملك تستحق أن تُفرد لها ملفات روائية كاملة، مثل «الست معارف». هل تفكر في شيء كهذا؟
ـــ نعم، لقد أدّت "الست معارف" دوراً قصيراً، لكنه لم يكن ثانوياً، ولم تكن هي شخصية عابرة او هامشية، بدليل ان خروجها من النص، يخلخل بنية الحركة الأولى في الرواية. لقد احتاج فرانسيس فورد كوبولا الى دقائق معدودة من مارلون براندو، في فيلمه الشهير "القيامة الآن" (1979)، لكي يكمل بناء المشاهد الأخيرة. في شخصية "الست معارف"، تكثفت ملامح المرأة العكاوية (نسبة الى عكا) المتمسكة بوطنها ومدينتها. ومن خلالها، قدمت كل ما جرى لعكا – المكان – على اعتاب النكبة، وبعد احتلالها، وما انتهت اليه بيوتها خلال اكثر من 60 عاماً. وهناك شخصية الدكتورة ندى أيضاً، التي لا يتعدى دورها حضور جنازة شبه وهمية في بيتها، فما كان ممكناً إقامة جنازة ثالثة لإيفانا في القدس من دون ندى وعائلتها. وكذلك زكريا دهمان، الذي لخص مأساة الفلسطينيين في الكويت، إبان حرب الخليج الثانية عام 1991 وبعدها.

■ أشار بعض النقاد، وأنت أيضاً، في حوار صحافي سابق، إلى أن الرواية تتكامل وتنهل من قامات سردية فلسطينية مثل جبرا إبراهيم جبرا وإيمل حبيبي وغسان كنفاني.. ما تعليقك على ذلك؟ كيف تفسر هذا التكامل والتماهي؟
ـــ يختلف النقاد والروائيون الفلسطينيون على تحديد بداية الرواية في فلسطين، بين من يعتبر "الوارث" لخليل بيدس الصادرة عام 1920، أول رواية فلسطينية، وبين من يذهب الى ان محمد بن الشيخ التميمي سبقه اليها برواية "أم الحكيم" في أواخر القرن التاسع عشر، وثمة من ذهب الى بداية أخرى. لكن الأدباء عموماً، والمعاصرين منهم، يلتقون على اعتبار الثلاثي جبرا ابراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وإميل حبيبي، مثلث اضلاع الرواية الفلسطينية المعاصرة، و"ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية"، بتعبير الروائي والناقد فاروق وادي، في مؤلفه الذي يحمل هذا العنوان، كونهم يمثلون "النضج الفني بامتلاكهم الواقع والأداة الفنية"، ولأنهم ثلاثة اصوات متمايزة تركت تأثيرات قوية على الرواية الفلسطينية المعاصرة، التي استفادت من البعد الانساني والكفاحي في تجلياته المختلفة لدى غسان كنفاني، وتجريبيته التي لاحظناها في العديد من أعماله، ونهلت - أي الرواية - من أدب إميل حبيبي، الساخر اللاذع الجارح، المنشطر الهوية، المشرد، المقيم، اللاجئ، الفلسطيني، الاسرائيلي. وبحثت مع جبرا عن الهوية الضائعة، واستفادت من تأثره بالثقافة الغربية والارث الطويل للرواية الكلاسيكية في الغرب، وأساليب الرواية المعاصرة أيضاً. وكذلك في تعبير ثلاثتهم عن المأساة الفلسطينية المعاصرة. لقد أصبح هذا كله إرثاً للراوئيين الفلسطينيين الذين استفادوا منه حتى في تشكيل أصواتهم التي بتنا نسمعها من خلال قراءة أعمالهم.

■لماذا تظل «القضية الفلسطينية» وما تبعها من أمور، مثل سؤال الهوية أو العامل الجغرافي القائم على حقيقة الشتات.. إلى متى ستظل محوراً أساسياً للسرد الفلسطيني؟
ـــ هذا يشبه سؤال التركي أورهان باموك لماذا رواياتك تركية؟ ولماذا كتبت عن اسطنبول! أو سؤال خالد حسيني لماذا لا يخرج من ثوب أفغانستان، والحقبة السوفياتية، وطالبان، حتى بعد أن صار أميركيا ويكتب بالانكليزية!، ثم إن الفلسطيني لن يكتب عن "الحرافيش" الذين لم يلتقِ بهم أبداً. والرواية الفلسطينية بكل اتجاهاتها، هي تلاوين على واقع سماته النكبة، والتشريد، والمنافي والمخيمات، وضياع الهوية، والحروب، والمصائب، التي شكلت بمجملها مواضيع غنية لها. لكن علينا ان نلحظ أيضاً، ان الرواية الفلسطينية بما هي انسانية في جوهرها وتوجهها العام، تعاملت مع ثيمات يشترك فيها كل النتاج العالمي في الرواية: الحب، الكراهية، والعار، والبطولة، والكفاح، والصبر. في واحدة محاولات غسان كنفاني التجريبية، ذهب الى الرواية البوليسية وكتب "من قتل ليلى الحايك". لكن روايته دفنت، حتى لم تعد تذكر بين أعماله. وفي المقابل، حين كتب الروائي البريطاني مات ريس روايات بوليسية، تدور أحداثها في الضفة العربية وقطاع غزة، لم يخرج عن الاطار "الفلسطيني"، وكانت مادته: الفصائل الفلسطينية، والاحتلال، والخيانة، والعملاء، وكتائب الأقصى، والجريمة، والفساد، والمحاكم، والقيادات الفلسطينية، ومدارس الآونروا..الخ. لقد كتب مثلنا حقاً، باستثناء استعارة النمط البوليسي.

برهاون ■وصلت روايتك للقائمة القصيرة للبوكر في دورتها الحالية.. بخلاف الفرح لهكذا إنجاز.. كيف ترى الأمر؟
ـــ مدهش، أن تكتب رواية أولى تصل الى القائمة القصيرة، ثم تكتب رواية ثانية وتحقق النجاح نفسه.. هذا أمر رائع ومريح، وعزز ثقتي بما أكتبه، وعوّضني متاعب سنوات من العمل. - مدهش وبيجنن-.

■هذا حضورك الثاني في القائمة القصيرة.. كيف ترى قيمة الجائزة للكاتب؟ وهل الجوائز معيار صادق للعمل الجيد؟
ـــ حقيقةً لا تشغلني هذه الأمور. وما أفكر به دائماً، هو في معنى النجاح وقيمته المعنوية ودلالاته. أما القيمة المادية فهي نتيجة النجاح وليست سبباً له. أما أن تكون الجوائز معياراً صادقاً أم لا، فهذه مسألة نسبية. لكنها، معيار يتمتع بقدر كاف من المصداقية، يؤمن للروايات الفائزة مكانة اعتبارية جيدة تتناسب مع تلك المصداقية.

■ما هي الروايات التي لفتت نظرك مؤخراً.. سواء تلك التي وصلت للقائمتين الطويلة والقصيرة أو التي لم يسعفها الحظ في ذلك؟
ـــ يفترض هذا انني اطلعت على كل ما وصل من الروايات الى قوائم البوكر، وما لم يسعفه الحظ منها. وهذا ما لا يتوفر الا لأعضاء لجنة تحكيم البوكر وحدها. في هذه المرحلة من السباق نحو الجائزة، يصعب علي إعطاء تقييمات.

■ ثلاث روايات في 67 سنة.. لماذا أنت مقلّ في إصداراتك الروائية؟
ـــ بل في 70 سنة. لقد أخذتني حياتي في دهاليز ومنافٍ متعددة ومتنوعة، أفادت تجربتي وأغنتها من جهة، لكنها شكّلتي وفقاً لمتطلباتها من جهة أخرى. بطبيعتي، حافظت في كل مراحل إنتاجي، في ميادين الكتابة، على الاخلاص للنوع وليس للكم: خرجت من عالم القصة القصيرة حين لم أستطع تجاوز مجموعتي الأولى «أبله خان يونس» (1977). وتوقفت عن البحث، بعد مغادرتي «مركز الابحاث الفلسطيني» عام 1993. وعن الكتابة السياسية أيضاً (رأي، تحليل اخباري، ظهور على فضائيات..الخ)، حين أدركت ان لا جديد لدي أقدمه ولا إضافات. ربما كانت تلك الاسباب كلها وراء قلة الانتاج، لكني حين دخلت عالم الرواية، أخذت معي أفضل ما في تلك التجارب من تقنيات وخبرة. وأعتقد أن القليل الذي تحقق كثيرٌ بقيمته.

■هل يصح للمتابعين وصف رواياتك الثلاث بأنها (ثلاثية) في مشروع سردي واحد؟
ـــ بالمعنى العام: كمشروع سردي يغطي المسألة الفلسطينية من كل جوانبها نعم. لكن كمشروع روائي، ينبغي إخراج رواية «طعم الفراق»، التي تُشكّل كسيرةٍ روائية، مساراً متكاملاً لحياة ثلاثة أجيال، تلعب فيه السيرة الحقيقية - وليس المتخيل- الدور الرئيس. بينما تؤسس "السيدة من تل أبيب" لما بعدها بأسئلة تتركها معلقة. وكذلك تفعل "مصائر..." التي تترك أسئلة لعملٍ، إذا قُدِّر لي أن أنجزه، أكون قد حققت مشروعي الثلاثي.

■ تحب التجريب في سردك، ولا تستكين للبناء الكلاسيكي. كيف ترى منجزك التجريبي والمنجز التجريبي في الرواية العربية بشكل عام؟
ـــ دعني أبتعد كثيراً عن منجز التجريب العربي، لأنني لست ناقداً متابعاً لكل هذا النتاج، ولست قارئاً مواظباً على الإلمام بأغلبه، وإجابتي السابقة، غطت جزءاً كبيراً من الاجابة عن السؤال. فكل مرحلة من مراحل إنتاجي الشفاهي او المكتوب، كان محكوماً للتجريب والرغبة في الخروج على المألوف الساكن، بخلخلة بنيته ومواجهة الأفكار السائدة، والمعالجات الدرامية المكررة. وأعتقد أنني حققت الكثير مما طمحتُ اليه، منذ "السيدة من تل أبيب" التي تعاملت مع الشخصية اليهودية والاسرائيلية في الرواية بطريقة مختلفة، واقتربت كثيراً من عوالمها. كما تعاطت مع هوية الفلسطيني في مراحل تغيرها وتأثيرات الشتات عليها. وفي «مصائر»، التي حققت وتحقق نجاحاً مماثلاً، حتى الآن، ربما يفوق ما حققته روايتي الأولى، ثمة تعاطٍ مع أفكار وقضايا جديدة، ومجالات أخرى من تجليات الهوية في مراحل شتات الفلسطيني في الداخل الفلسطيني نفسه والخارج، أي المنافي وبلدان اللجوء.
الرواية العربية لم تصل
إلى الغرب بعد رغم ما تثيره
الترجمات من ضجيج

■ كيف ترى تيار ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأوربية.. الإنكليزية بالتحديد؟
ـــ المهم هو، كيف يرى من يتلقى من الأوروبيين أو الأميركيين، هذه الترجمات؟ باختصار، الأمر محبط للغاية. الرواية العربية لا تتمتع بأي حضور في بريطانيا، على سبيل المثال. والذوق العام في أوروبا مشدود لاستشراقيته، ولارتباطاته الاستعمارية السابقة. والرواية العربية عند الانكليز، غالباً ما تعني المصرية، بحكم صلات بريطانيا التاريخية بمصر. وبحكم مكانة مصر تاريخياً. وتجد مثيل ذلك عند الفرنسيين القريبين من الادب الصادر في المغرب. والانكليزي وربما الفرنسي أيضاً، يفضل العمل المكتوب بلغته، ويتقبل المترجم بصعوبة. لذا هنا نجد بعض الحضور لروائيين عرب يكتبون بالانكليزية، او مغاربة يكتبون بالفرنسية، مع حضور واعتبار افضل في فرنسا. ما زال الهندي والافغاني الذي يكتب بالانكليزية، أقرب الى ذائقة القارئ البريطاني من نجيب محفوظ الحائز جائزة نوبل. بتقديري، الرواية العربية لم تصل الى الغرب بعد، رغم ما تثيره الترجمات من ضجيج. ثمة استثناءات بالتأكيد، لكنها لا تكفي للقول بأن أحوالنا بخير. حتى إن من ينشر ما هو مترجم، في بريطانيا، فرنسا، المانيا، ايطاليا، هولندا، هي دور نشر صغيرة، غالباً ما تكون يسارية متعاطفة مع قضايانا، وتشفق علينا.

■كيف ترى المشهد الروائي العربي في ظل الغزارة الكمّية في الإصدارات؟
ـــ حراك جميل ومبشر، تسودة "فوضى إبداعية"، سوف تهدأ بعد سنوات، وتكون قد أنتجت قارئاً قادراً على تصفية حساباته معها.

■ أخيراً بماذا تعلق على الأحداث الملتهبة في المنطقة العربية؟ وإلى أين المسير وفقاً لهذه المعطيات؟
ـــ نحن نمر بمرحلة انتقالية قاسية ومريرة، حافلة بمليون احتمال. من الصعب الامساك بمعطيات فاعلة ومؤثرة في ما نشهد اليوم، يمكن ان تعطي ملامح ولو أولية للمستقبل. لست يائساً، ولكني اعتقد اننا في مرحلة تمزيق الماضي والحاضر معاً، على الرغم من مظاهر الموجة "الاصولية" التي تشهد المنطقة غزواتها الأكثر تطرفاً. فهي على عنفها وتخريبها وبشاعتها وتخلفها، تكشف بؤس نموذجها الذي تدعو الى استعادته. وهذا هو الجانب الوحيد المضيء وسط هذا الكم من الخراب الديني الطائفي الذي دمر الحاضر، لكنه سينتهي بتدمير الأصوليات نفسها، قبل ان تنتقل المنطقة الى مستقبل مغاير.


■ إنسيرت:
ــــ الاسرائيلي في روايتي هو نفسه الإنسان الذي لا يكف عن تخليق المشاكل للفلسطيني ويرتكب بحقه أفظع الجرائم

ــــ الرواية العربية لم تصل الى الغرب بعد رغم ما تثيره الترجمات من ضجيج