في تشخيص الأزمةتُشير الوقائع أن لبنان يعاني من أزمة نظام حقيقية Truly Systemic Crisis تفاقمت من خلال أربع مراحل تباعاً وهي كالآتي:
- أزمة دين سيادي وذلك بحسب توصيف الأزمات المصرفية في العالم، بدأت مع توقّف مصرف لبنان عن خدمة الدين في الخارج، ثم توقّف الحكومة اللبنانية عن دفع سندات اليوروبوند وفوائدها المستحقة.
- أزمة سيولة خانقة بالعملة الأجنبية.
- أزمة نقدية بالعملة المحلية.
- أزمة تضخم مفرط.

العوامل التي أدّت إلى هذه الأزمة
- العوامل خارجة عن القطاع المصرفي وهي تكمن في النموذج الاقتصادي اللبناني بما فيه من ضعف في قطاعات الاقتصاد الحقيقي والعجز البنيوي في الميزان التجاري. كذلك تكمن في السياسات المالية التي تمظهرت عبر الكلفة الباهظة لإعادة الإعمار بالاستدانة، بالإضافة إلى التنامي المفرط للدين العام الذي ارتفع من 1990 من 1.5 مليار دولار إلى 18 مليار دولار عام 1997.
ومن العوامل الخارجة عن القطاع المصرفي هي السياسات النقدية التي ركّزت على تمويل عجز المالية العامة وعجز ميزان المدفوعات وأصرّت على تثبيت سعر الصرف عند مستويات لا تعكس واقع سوق القطع (أزمة 1998، باريس 1و2و3)، كذلك لعبت الحرب في سوريا دوراً وكان لها نتائج مباشرة على الاقتصاد اللبناني، العقوبات الأميركية.
- العوامل الداخلية فهي متعلقة بالآتي: النمو المتسارع للقطاع المصرفي مقارنة مع حجم الاقتصاد (بما فيها تدفق السيولة بعد الأزمة المالية العامية 2008-2011)، تشابه نماذج العمل/ سمة المخاطر: التركيز في مصادر التمويل على الودائع والتحويلات الخارجية بكلفة عالية والتركيز في التوظيفات السيادية (النتيجة: تكديس الأرباح للمساهمين وكبار المودعين)، غياب القوانين والتنظيمات التي تمنع هذا التركّز في التوظيفات السيادية، النموذج أدّى إلى خروج الجزء الأكبر من المصارف الأجنبية من السوق المحلية ABN amro , Standard Charteted, Credit Lionais, Banca di Roman , HSBC… كذلك هناك خسائر القطاع المصرفي في الخارج، والهندسات المالية لردم الفجوة في السيولة (56 مليار دولار بين 2013-2020 بحسب تقرير بنك عودة للفصل الأول 2021. وأخيراً عدم قدرة مصرف لبنان على أداء دور المقرض الأخير بالعملات الأجنبية.

خلل في آليات إعادة الهيكلة
قبل البدء بأي عملية إعادة هيكلة لا بد من تحديد إذا كنّا نحتاج إلى خطة تعافٍ أو خطة إنقاذ للقطاع المصرفي أو الاثنين معاً. وعند مقارنة خطط التعافي والإنقاذ التي اعتمدتها الدول بعد الأزمة المالية العالمية، مع ما يحصل حالياً في لبنان نجد لدينا ضعفاً في مقاربة عملية إعادة الهيكلة برمتها على سبيل المثال:
- طلب مصرف لبنان من المصارف زيادة رساميلها بالعملات الأجنبية بنسبة 20% تمهيداً لإعادة الهيكلة وهذا الأمر مغاير لتوصيات اللجان والهيئات الرقابية الدولية التي تشير إلى أن استخدام هذا التدبير في خضمّ الأزمة هو من أنواع الإجراءات المشابهة للدورات الاقتصادية حيث تكون كلفة رأس المال في أوقات الأزمات مرتفعة جداً، وما يحصل حالياً في لبنان هو زيادة للرساميل على حساب نوعيتها فهذه الزيادات الحاصلة في رساميل بعض المصارف لا تُعتبر تدفقاً حقيقياً يسمح بإعادة الهيكلة لأي مصرف كان.
- برنامج تقسيط الخسائر المعمول به حالياً هو تقسيط النسب المطبقة نظامياً لاحتساب الخسائر المتوقعة بحسب نوع التوظيفات، وهي 45٪ خسائر ديون سيادية على اليوروبوند و1.98% خسائر على توظيفات مصرف لبنان. تكوين هذه المؤونات يستلزم الاقتطاع المباشر من حساب الأرباح والخسائر وتالياً من رساميل المصارف وليس السماح بتقسيط خسائر محققة فعلاً.
تكوين هذه المؤونات يستلزم الاقتطاع المباشر من حساب الأرباح والخسائر وتالياً من رساميل المصارف وليس السماح بتقسيط خسائر محققة فعلاً


خريطة طريق للإصلاح
نحن الآن في خضم مرحلة انتقالية حيث إن نموذج الأعمال الذي كان معتمداً من قبل المصارف يفترض أن فاعليته قد انتهت. ولكن النموذج الجديد والذي يتوافق مع متطلبات المرحلة المقبلة لم يُنشأ بعد. وحتى في ظل ارتفاع درجات عدم اليقين، فإن لبنان قادر على وضع خطة لإعادة هيكلة قطاعه المالي والمصرفي، والتجارب الدولية تؤكد ذلك وخاصة تلك الحديثة التي حصلت بعد الأزمة المالية العالمية.
1. تحديد الخسائر يجب أن يكون النقطة الأولى والمركزية لتوزيع الخسائر بشكل عادل، وللوصول إلى تحديد الخسائر يُفترض من الحكومة الجديدة:
أ. إنجاز خطة تفاوضية مع الدائنين وتحديد الخسائر المحققة على محافظها المالية وتحديد نسبة التعويض المناسبة. ما يعني التحديد الواضح لنسب الاقتطاع على سندات اليوروبوند.
ب. إجراء إعادة تقييم عادل لميزانية مصرف لبنان حتى يتسنى لنا تقنياً تحديد الخسائر المحققة على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان.
2. إجراء تقييم لأصول المصارف.
3. على ضوء تقييم أصول المصارف يتم توزيع المصارف بين قابلة للاستمرار ومصارف غير قابلة للاستمرار.
4. بعد تقسيم المصارف يمكن وضع خطة تعافٍ للمصارف القابلة للاستمرار ويجب وضع خطة إنقاذ (للمصارف المتعثّرة أو المحتمل تعثرها).
هذه الخطة تسمح للبنان بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتقليص حجمه وصولاً إلى آليات للتعافي اعتمدت في دول سابقاً.
من التقنيات الممكن استعمالها كآليات للتعافي بالنسبة إلى المصارف التي ستكون قابلة للاستمرار:
- التحويل الجبري للودائع بالعملات من الدولار إلى الليرة اللبنانية.
- فرض ضريبة على الثروات تطال كبار المودعين وتحديداً أرباح الهندسات المالية.
- عملية دعم باستعمال أموال من خارج المصرف.
- عملية دعم باستعمال جزء من أموال شريحة محددة من أموال المودعين حيث تعطي المودعين الحق بأن يكونوا مساهمين.
أما بالنسبة للمصارف التي لن تكون قابلة للاستمرار فيمكن إجراء الآتي:
* تقسيم المصارف إلى مصرفين: مصرف جيد ومصرف رديء.
* تحديد الأصول الجيدة والمنتجة على ميزانية المصارف ونقلها إلى المصرف الجيد، وتحديد الأصول الرديئة ونقلها إلى المصرف الرديء.
* تحديد شريحة المودعين المفضلين ونقلهم إلى المصرف الجيد.
* تحديد حاجات المصرف من رأسمال وتحديد هذه الرساميل لإعادة التوازن والثقة إلى القطاع المصرفي.

تشريعات ضرورية للمواكبة
1. ضرورة أن يكون هناك قانون طوارئ للإنقاذ المصرفي يُعطي للسلطة الرقابية الحق بإدارة المصارف المتعثرة. كما يعطي أفضلية لصغار المودعين مع تعريف للمودعين المفضلين، كما يعطي السلطة الرقابية حق استعادة الفوائد على الهندسات المالية.
2. ضرورة إقرار قانون جديد للرقابة على المصارف.
3. إقرار قانون الـCapital Control.
4. إقرار قانون لاسترداد الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج وخصوصاً من المصرفيين وكبار المودعيين.
كذلك تساعد التشريعات التالية في إنجاح أي خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالي في لبنان:
1. وجوب قيام الحكومة بإجراء تقييم لموجوداتها والاتفاق على خطة للتفاوض مع الدائنين بعد تحديد آلية واضحة لنظام سعر الصرف في المستقبل هل هو ثابت أم عائم.
2. تقديم كفالة من الحكومة لصغار المودعين بهدف استعادة الثقة.
3. إعداد مرسوم صندوق لإدارة الدين العام مستقبلاً.
4. وضع سياسة ضريبية استثنائية ترافق إعادة هيكلة المصارف تضمن إعادة التوازن للمالية العامة من جهة، وتستهدف إجراءات ضريبية حازمة ومفصلة تطال تركّز الثروة وتحديداً في القطاع العقاري والوكالات الحصرية وكل من استفاد من الشراكة مع القطاع الخاص من جهة أخرى.
5. إنشاء بنك صغير للتنمية كنموذج لدور المصارف في المرحلة القادمة.