يواجه القطاع المصرفي مشكلة كبيرة في تأمين السيولة بالدولار لمودعيه. كذلك هناك شكوك في إمكانية سداد المصارف لودائع الزبائن، خصوصاً تلك المودعة بالعملات الأجنبية. هذا المقال يحاول إعطاء صورة رقمية لهذا الواقع، من خلال تحليل الميزانية العمومية الموحّدة للمصارف العاملة في لبنان.في البداية يجب الفصل بين ما على المصارف من مطلوبات بالعملات الأجنبية وما لها من موجودات بالعملات الأجنبية عن تلك التي لها وعليها بالليرة اللبنانية. فمن الناحية النظرية، تستطيع المصارف دفع ودائعها بالليرة لأنّها تستطيع الاستحصال على ليرات كافية من ودائعها لدى مصرف لبنان وموجوداتها من سندات الخزينة الصادرة بالليرة اللبنانية، لأنّ مصرف لبنان والدولة يستطيعان طبع العملة المحلّية لتأمين هذا الدفع. طبعاً خطوة كهذه لها انعكاسات سلبية كبيرة على قيمة الليرة.


أما بالنسبة إلى الودائع بالعملات الأجنبية، فالأمر أشدّ تعقيداً. لتقويم قدرة المصارف على إرجاع الودائع بالعملات الأجنبية يجب تحديد قيمة المطلوبات بهذه العملة ومن ضمنها ودائع الزبائن، ومقابلها يجب تحديد قيمة الموجودات بالعملات الأجنبية وإمكانية الاستحصال عليها.
في نهاية تشرين الأول 2019، بلغت قيمة مطلوبات المصارف بالعملات الأجنبية 133.3 مليار دولار منها 122.5 مليار ودائع للزبائن والباقي مستحقات للقطاع المالي الخاص. يذكر أن هناك مطلوبات أخرى غير واضح إذا كانت بالليرة أو بالعملات الأجنبية ولذلك لم تُضمّ إلى هذه المطلوبات من باب الحيطة. بمعنى آخر كلّما زادت المطلوبات بالعملة الأجنبية، صعبت قدرة المصارف على دفع ودائع الزبائن بالعملات الأجنبية. على سبيل المثال على المصارف بند «مطلوبات أخرى» بقيمة 58.7 مليار دولار غير محدّدة عملتها وبالتالي لم يتم ضمها إلى هذا الحساب.
بالنسبة إلى موجودات المصارف، جرى احتساب موجودات العملات الأجنبية وتلك التي عملتها غير واضحة بكامل مجموع قيمتها 59.4 مليار دولار، وبعكس المطلوبات كلّما كثرت موجودات العملات الأجنبية صار أكثر سهولة على المصارف تسديد ودائع الزبائن. هناك بندان في الموجودات لم يتم احتسابها وهي: ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بقيمة 154 مليار دولار، ومحفظة المصارف من سندات الخزينة بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) بقيمة 14.7 مليار دولار.
في الواقع، هناك سببان لعدم احتساب هذين البندين:
- أولاً: لا معلومات متوافرة عن نسبة توزّع الودائع لدى مصرف لبنان بين الليرة والعملات الأجنبية.
- ثانياً: هذه الودائع وسندات اليوروبوندز هي موضع شكّ عام لجهة التحصيل. وهنا نصل إلى الهدف الأساسي من هذا المقال، وهو تحديد قيمة الموجودات بالعملات الأجنبية التي على المصارف الاستحصال عليها من مصرف لبنان ومن الدولة اللبنانية كحدّ أدنى، لكي تكون القيمة الحقيقية لودائع الزبائن بالعملات الأجنبية تساوي قيمتها الورقية.
لذا، إذا أخذت مطلوبات المصارف بالعملات الأجنبيةـ أي 133.3 مليار دولار، وطُرحت منها قيمة الموجودات بالعملات الأجنبية بقيمة 59.4 مليار دولار (ما عدا الودائع لدى مصرف لبنان ومحفظة سندات اليوروبوندز)، يكون الحدّ الأدنى من المبالغ التي على المصارف الاستحصال عليها من مصرف لبنان والدولة اللبنانية 73.9 مليار دولار أو ما يعادل 60.4% من إجمالي ودائع الزبائن بالعملات الأجنبية. هل تستطيع المصارف أن تحصّل مبلغاً كهذا في المستقبل المنظور في ظلّ هذه الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة؟
ملاحظات:
١- المبالغ المطلوبة والمقدّرة أعلاه لتغطية ودائع الزبائن بالعملات الأجنبية لا تأخذ في الاعتبار الفوائد التي ستتراكم للمودعين في المستقبل بحدود 3 ــ 4 مليارات دولار سنوياً.
٢- كما ذكرنا سابقاً، احتسبت المطلوبات من تسليفات بالعملات الأجنبية للزبائن بقيمة 33 مليار دولار على أنها ستُدفع بالكامل. هذا غير منطقي في ظلّ أزمة اقتصادية شديدة ذات أفق بعيد. فعلى سبيل المثال، نسبة القروض المتعثّرة خلال الأزمة الاقتصادية في اليونان وصلت إلى 50.5٪ (أرنست أند يونغ ــ شباط 2018)، وإذا افترضنا أن نسبة 20% من القروض قد تتعثّر، هذا زيد إلى المبالغ الواجب على المصارف تحصيلها بقيمة 6.6 مليار دولار.

* خبير مالي عمل سابقاً لدى مؤسسة التمويل الدولية