لا يمكن ملاحظة أي جديد في بيان «صندوق النقد الدولي» باستثناء رسائله الواضحة المُتعلّقة بسياسة مصرف لبنان النقدية. إذ يركّز البيان ملاحظاته في ثلاثة ميادين رئيسية، هي السياسة النقدية والسياسة الضريبية والإصلاحات المُفترضة لحفز النموّ الاقتصادي.تعدّ ملاحظات الصندوق المُتعلّقة بالسياسة النقدية الأكثر وضوحاً وتحديداً بين مجمل ملاحظاته الأخرى. فهو يشير إلى وجود مشكلة في ميزانية مصرف لبنان، نتيجة السياسات المالية التي ينتهجها منذ سنوات، مثل دعم القروض وشراء سندات الخزينة ومنح شهادات إيداع إلى المصارف، والتي تمنح فوائد عالية على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان، لتتمكّن من تسديد الفوائد العالية التي على أساسها استقطبت ودائع من الخارج مع تحقيق هامش ربح إضافي لها. وبالتالي يحذّر الصندوق من أن هذه العمليّات باتت تسجّل اختلالات في ميزانية المصرف المركزي، إذ يدعو إلى وقفها، لأن المصارف أيضاً باتت منكشفة على الدولة اللبنانية بما يستدعي حسم مؤونات من رساميلها وأرباحها لتغطية أي خسائر مُحتملة في الدَّيْن العام. وأيضاً يحذّر المصارف من الاكتتاب بسندات خزينة بفوائد مخفّضة (11 ألف مليار بمعدّل 1% فائدة)، لكونها ستؤدّي إلى عدم قدرتها على استقطاب أموال من الخارج. بمعنى أن المصارف التي تكتتب عادة في سندات خزينة مرتفعة الفائدة لن تحقّق هامش الأرباح نفسه عند اكتتابها بسندات بفوائد مخفّضة، وبالتالي لن تتمكّن من منح المودعين فوائد مرتفعة لاستقطاب أموالهم.
إلى ذلك، يشير الصندوق إلى ضرورة القيام بإصلاحات هيكلية ومالية لتحفيز النموّ الاقتصادي. بمعنى آخر، يرقص الصندوق حول خفض سعر الصرف من دون أن يسمّيه أو أن يدعو صراحة إلى خفض قيمته. ففي الواقع، يشكّك الصندوق في الأرقام التي تستعرضها الحكومة حول نسبة العجز من الناتج المحلّي، ويشير إلى أن العجز في الموازنة سيكون 9.75% من الناتج المحلّي بأحسن تقدير بدلاً من 7.6% كما تورد الحكومة، وهي طريقة غير مباشرة للقول إن النموّ سيكون أقلّ مما هو متوقّع، وهو ما يتوافق مع كلّ المؤشّرات (رخص البناء والتداولات العقارية وحركة المرفأ والشيكات المتداولة والقروض الممنوحة وحركة البورصة والتدفّقات المالية) التي تتراجع باطراد، بما سيؤدّي إلى انعدام النموّ أو ربّما تسجيل نموّ سلبي. وكنتيجة ذلك، ولحفز النموّ والتنافسية والإنتاجية، يدعو الصندوق إلى إجراءات تصيب صلب النموذج الاقتصادي اللبناني، وأبرزها خفض معدّلات الفوائد، ويدور حول سعر الصرف باعتبار أن تثبيته على مستوى أعلى من قيمته الفعلية يؤثّر في التنافسية، فهو يرفع أكلاف الإنتاج.

* خبير سابق في البنك الدولي