بغداد | ترى الأوساط المراقبة للشأن العراقي أن زيارة رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، لواشنطن تدشّن مرحلة جديدة من العلاقات وإبرام الاتفاقات الثنائية بين البلدين. لكنّ الآراء داخل قوى «الإطار التنسيقي» اختلفت بين مؤيد للزيارة ومتحفّظ عليها، ولا سيما لجهة الاعتقاد السائد بأنها لا تحقق تقدّماً نحو هدف إخراج القوات الأجنبية من البلاد، في توقيت معلوم. وتحدث السوداني والرئيس الأميركي، جو بايدن، في مؤتمر صحافي بعد محادثاتهما في البيت الأبيض، أول من أمس، عن جهود العراق لإصلاح القطاعين المالي والمصرفي، والتعاون ضد عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاحتيال والفساد والأنشطة الخاضعة للعقوبات. كما ناقشا التوترات الإقليمية وخاصة ما يحدث في قطاع غزة. ويقول مصدر حكومي ضمن الوفد المرافق للسوداني في زيارته، لـ«الأخبار»، إن «المحادثات كانت متنوّعة، لكنها تركّزت على ملفّات محورية مثل السيادة العراقية والاقتصاد وقضايا سعر صرف الدولار والأموال المجمّدة والمصارف الأهلية المعاقبة، بالإضافة إلى ملفّات معلنة سلفاً في مجال الطاقة والربط الكهربائي واستئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي»، كاشفاً أن «هناك اتفاقات جديدة بشأن تنظيم السياسة النقدية والمالية للعراق، وتنظيم حركة الدولار ومنع تهريبه إلى دول أخرى». ويضيف أن «بايدن والسوداني اتفقا على أمور أمنية، ومنها ما يتعلق بأمن إقليم كردستان من جهة، وهجمات الفصائل المسلحة، وكذلك ناقشا اتفاقية الإطار الاستراتيجي وإمكانية التعديل عليها وجدولة انسحاب قوات التحالف الدولي، بناءً على مقررات اللجنة العسكرية العليا المشتركة». ويتابع المصدر أن «السوداني ركّز في أحاديثه على إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. وكذلك أوصل رسالة بأنّ العراق لا يزال على موقفه الحيادي بخصوص إيران، ولا ينحاز إلى طرف»، لافتاً إلى أنّ «القصف الأخير الذي استهدف إسرائيل كان من ضمن ما بحثه السوداني مع مستضيفيه».
بايدن والسوداني اتفقا على أمور أمنية ومنها ما يتعلق بأمن إقليم كردستان


ويعتقد مراقبون مقرّبون من الحكومة أن «السوداني استطاع أن يقنع الأميركيين بأنه قادر على إدارة الدولة، ولا سيما في ما يتعلّق بالملفات الأمنية المحلية وحتى الإقليمية»، مشيرين إلى أنّ «من أهداف الزيارة إيصال رسالة إلى واشنطن بأن العراق ينأى بنفسه عن الصراع الإقليمي في المنطقة، ويتجنّب التجاذبات بين الأطراف المتخاصمة خوفاً على مصلحة البلاد». من جهته، يرى القيادي في «الإطار التنسيقي»، قاسم العلي، أنّ «زيارة السوداني مهمة وربما ستنقل البلاد من وضع إلى آخر، وخاصة أنه ينوي تصفية الملفات الشائكة مع الولايات المتحدة، وإبرام اتفاقات لتطوير التعليم والثقافة والكهرباء والطاقة والغاز والتلوث البيئي، وغيرها من المجالات التي يحتاج العراق فيها إلى شراكات حقيقية». ويقول العلي، لـ«الأخبار»، إنّ «أبرز المهام التي أوصينا السوداني بها هي قضية خروج القوات الأميركية من البلاد، لكي تكون العلاقة معروفة الملامح ولا تكون سلبية»، لافتاً إلى أنّ «الإطار التنسيقي ليس منقسماً وإنما يريد إنهاء الوجود الأميركي وإلغاء جميع الاتفاقات التي سبّبت إشكالاً للعراق». ويستدرك أن «بعض القيادات السياسية في الإطار غير مقتنعة تماماً باقتراب السوداني من واشنطن، لأنها تعتبره خضوعاً وتنازلاً هو في غنى عنه، وخاصة أنّ الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل مطلق في حربها ضد غزّة». ويكشف القيادي أنّ «الإطار بكل تأكيد سيعقد اجتماعاً لمناقشة مخرجات الزيارة، وبحث أهم الاتفاقات وانعكاساتها على البلاد، فضلاً عن دراسة ملف التسليح بمئات ملايين الدولارات وكم حاجة العراق إليها».
بدوره، يعرب النائب عن كتلة «الصادقون» النيابية (الجناح السياسي لـ«حركة عصائب أهل الحق»)، حسن سالم، عن أمله بأن تكون زيارة السوداني بداية لخروج الأميركيين من البلاد لحفظ سيادة البلاد التي تنتهكها واشنطن دائماً. ويؤكد، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «جميع القوى السياسية داعمة للسوداني، ولا مانع لدينا من التحرك دولياً وإبرام اتفاقات لمحاربة الفساد وغسل الأموال وتطوير الاقتصاد وبناء مشاريع استراتيجية تخدم المواطنين، ولذا نحن داعمون لهذه الخطوات». ويرى أنّ «الهدف الأساسي هو الحوار بشأن إنهاء الوجود الأجنبي الذي صوّت عليه مجلس النواب سابقاً، ومع ذلك نثق بأن السوداني سيكون قادراً على خلق توازن طبيعي في العلاقات الثنائية ويجعل للعراق قراره الخاص وسيادته بعيداً عن التدخّلات الخارجية». ويتابع أنّ «قضية غزّة هي من أهم الملفات، وندعو السوداني إلى استثمار زيارته للضغط على الولايات المتحدة لوقف القتال الدموي بحق أهلنا في فلسطين، وأيضاً نشدّ على أيدي المقاومة وعلى الجمهورية الإسلامية في إيران التي لقّنت الكيان الصهيوني درساً مهماً قبل أيام».