بغداد | احتاجت زيارة رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، إلى واشنطن، والمقرّرة في 15 نيسان المقبل، الكثير من الترتيبات، نظراً إلى حساسية موقع الرجل، والناجمة عن تضارب بين قاعدته السياسية القريبة من إيران، وبين ضرورات يفرضها الواقع لتنظيم العلاقات مع الولايات المتحدة. ولذا، إن ملفّات الزيارة كثيرة ومتراكمة، بعضها معلن وآخر غير معلن، وتراوح بين وجود القوات الأميركية في العراق، والعقوبات التي فرضتها واشنطن على مصارف عراقية، والعمليات التي نفذتها المقاومة ضد القواعد الأميركية، وكذلك تحرير الأموال الإيرانية المجمّدة في المصرف التجاري العراقي، بحسب ما تقوله مصادر مقربة من الحكومة العراقية، لـ«الأخبار».
أمطار العراق الغزيرة تعد بموسم زراعيّ جيّد هذا العام (ا ف ب)

وتفيد المصادر بأنّ «الزيارة الأولى للسوداني إلى واشنطن منذ تسلّمه منصبه في تشرين الأول 2022 لها أبعاد داخلية وإقليمي». وتلفت إلى أنّ «موعد الذهاب تأخّر بسبب أحداث غزة وتداعياتها على العراق، لكن خلال هذه المدة، التقى السوداني مع جميع الأطراف السياسية للاتفاق على صيغ محدّدة تمثّل رأياً موحداً أمام واشنطن». وتعتقد أنّ «مثل هذه الزيارة الاستثنائية لا تخلو من رسائل إيرانية على مستوى الملف النووي، وموقف إيران من أحداث غزة، واتهامها بشتى التهم إزاء ضرب البوارج الأميركية في البحر الأحمر، وبالتالي يسعى السوداني إلى رسم علاقة ثنائية بعيداً من التجاذبات». وتشير المصادر إلى أنّ «المقاومة وقادتها لا يتدخّلون في أجندة الزيارة، لأنهم سابقاً حددوا مساراً معيناً، وهو التفاوض من أجل إنهاء الوجود الأجنبي. أما عملياتها العسكرية ضد الأميركيين، فهي متوقّفة حالياً بناءً على اتفاق داخلي وإقليمي، وربما سينقل مستجداته السوداني إلى واشنطن».
وفي السياق نفسه، يؤكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، لـ«الأخبار»، أن «الحصة الأكبر من الزيارة ستكون لملف إنهاء مهمة التحالف الدولي، ثم ملف العلاقات الشاملة انطلاقاً من تفعيل آليات اتفاق الإطار الإستراتيجي لعام 2008، للنهوض بواقع العلاقة في ميادين التعاون الأمني والتسليحي والاستثماري في الطاقة بشتى أنواعها، والملف الاقتصادي والمالي وملف التربية والتعليم، مثلما ورد في بيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء». ويؤكد أن «حرب غزة ستحضر بقوة في النقاش وتبادل وجهات النظر في سياق الموقف العراقي المعروف من الحرب». ويشير المتحدث إلى أن «ملف إنهاء مهمة التحالف الدولي سيكون في مقدمة الملفات، ولا سيما أن عنوان الزيارة الأساسي هو النهوض بواقع العلاقات الشاملة، بعد تجربة التحالف الدولي وتفعيل بنود اتفاقية الإطار الإستراتيجي نحو الشراكة الشاملة». ويتابع أن «ثاني أهم الملفات في الزيارة هو الملف المالي والعلاقة مع وزارة الخزانة الأميركية، وتطورات مشروع الإصلاح المالي العراقي بما يرتبط بالمصارف العراقية والديون وغيرها».
الزيارة تعزّز صورة العراق كلاعب مهم ولا سيما في إدارة الأزمة بين واشنطن وطهران


ومن جانبه، يعتقد النائب عن كتلة «الصادقون» النيابية (الجناح السياسي لـ«عصائب أهل الحق»)، محمد البلداوي، أن «السوداني لا يحمل أي رسالة من أي جهة. لكن أتوقع أن ما سيذهب به هو ملفات مهمّة وحاكمة، تأتي مما هو موجود داخل مباحثات ائتلاف إدارة الدولة وأيضاً داخل الإطار التنسيقي». ويبيّن، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أبرز الملفات هو التواجد الأجنبي وبالذات الأميركي. هذه أولوية بالنسبة إلينا. والسوداني عمل على تفكيك الملف خلال المدة الماضية. والمسألة الثانية هي تحديد شكل العلاقة ما بين الولايات المتحدة والعراق، والثالثة هي التعاطي مع المشكلات والمعوقات التي تفرضها واشنطن عبر العقوبات على الدول التي يتعامل معها العراق، وكذلك مع المصارف والشخصيات العراقية». ويشير إلى أن السوداني سيناقش «ملفات التسليح والطاقة والاقتصاد والاستثمار، ونأمل أن تكون الزيارة مثمرة، ولكن كل زيارات رؤساء الوزراء والمسؤولين العراقيين إلى الولايات المتحدة لم تؤتِ أكلها. والجانب الأميركي لا يلتزم بالاتفاقات الثنائية ولا يحترم رغبة العراقيين».
وفي المقابل، يرى المحلل السياسي، جودت كاظم، أنّ «إدارة الحكومة الحالية للسياسة الخارجية تبدو أكثر اتزاناً ومرونة ووعياً عن الحكومات السابقة التي تعاملت بعشوائية. فضلاً عن ذلك، تستطيع الحكومة عبر مثل هذه الزيارات، تحقيق توازنات دولية تعزّز صورة العراق كلاعب مهم، ولا سيما في إدارة الأزمة بين واشنطن وطهران». ويعتقد أن «نظرة الولايات المتحدة بدأت تتغير تجاه السوداني والبيئة التي خرج منها، وذلك بعد عام ونصف عام من الاختبارات والمتابعة، حتى جاء موعد الزيارة، علماً أنه هو كان راغباً في زيارة البيت الأبيض منذ تسلمه المنصب». ويلفت إلى أنّ «العلاقة بين واشنطن وبغداد في عهد حكومة السوداني ذهبت إلى مديات بعيدة، وربما ارتفعت مؤشرات الثقة لدى البيت الأبيض والاعتقاد بأن الرجل جاد في عمله وغير منحاز. وفي المقابل يسعى رئيس الوزراء إلى استغلال الهدوء قبل الانتخابات في الولايات المتحدة لحسم ملفات وقضايا مهمة بين الجانبين وأبرزها العقوبات والنفط والدولار».