بغداد | يقترب العراق وتركيا من تسوية جملة من القضايا الشائكة بينهما، بعد زيارة رسمية قام بها مسؤولون أتراك رفيعو المستوى، إلى بغداد لمناقشتها، ومن بينها ملفات المياه واستئناف تصدير النفط والاقتصاد ومشروع «طريق التنمية»، وبناء منطقة أمنية عازلة بعمق قد يصل إلى 40 كيلومتراً لتقييد حركة «حزب العمال الكردستاني»، من جهة، وتنسيق الهجمات العسكرية التي تنفّذها قوات أنقرة على بلدات في شمال البلاد، من جهة أخرى. وناقش الوفد التركي برئاسة وزير الخارجية، هاكان فیدان، وعضوية وزير الدفاع، يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات، إبراهيم كالين، ونائب وزير الداخلية، منير كارال أوغلو، مع وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، ومسؤولين أمنيين عراقيين، العمليات العسكرية ضد «العمال الكردستاني»، وكيفية بناء منطقة عازلة بعمق يراوح بين 30 و40 كيلومتراً لقطع الطريق على معارضي أنقرة الذين يتواجدون في شمال العراق وسوريا. وتقرّر، خلال الاجتماع، وفقاً للبيان المشترك، اعتبار «العمال الكردستاني» المصنّف من أنقرة إرهابياً، تنظيماً محظوراً في العراق، ويشكّل تهديداً أمنياً للبلدين، ويمثّل وجوده على الأراضي العراقية، خرقاً للدستور العراقي. وتفيد مصادر عراقية، «الأخبار»، بأنّ الوفد التركي بدأ يستخدم ورقة تنفيذ مشروع «طريق التنمية» للضغط على بغداد كي تضع الحزب المذكور على لائحة الإرهاب. وتشير المصادر إلى أنّ الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني وقوى «الإطار التنسيقي» تدعم المباحثات الحالية بين البلدين، وتبدي حماسة لزيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، المقرّرة، الشهر المقبل، إلى العراق، بهدف إنجاح مشروع «طريق التنمية» البري، وكذلك مشاريع الطاقة وزيادة الإطلاقات المائية إلى العراق من الأنهر المشتركة، والتي تُعتبر من أبرز التحديات الصعبة أمام الحكومات العراقية السابقة والحالية.
وفي هذا الخصوص، يقول القيادي في «الإطار التنسيقي»، علي حسين، إن «زيارة الوفد التركي للعراق مهمّة جداً، للاتفاق على قضايا أمنية ومخاطر الانتهاكات التركية، وكذلك نشاط حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان، وأيضاً مناقشة ملف المياه الذي تبدو الحكومة جادة في معالجته مع قدوم فصل الصيف». ويرى حسين، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ من مصلحة البلدين أن يتعاونا على إنجاز مشروع «طريق التنمية»، لما فيه من عوائد اقتصادية وأرباح قد تجعل كل بلدان المنطقة مستفيدة، ولا سيما، تركيا كونه يمرّ بأراضيها. ويوضح أنّ «المباحثات جاءت لوضع الأمور في نصابها في ملفات كالقصف التركي والعمليات العسكرية والتعاون الاستخباري المشترك بين الأجهزة الأمنية العراقية والتركية، وكذلك الموجودة في إقليم كردستان». والجدير ذكره، هنا، أن نواباً في البرلمان العراقي ومسؤولين في الحكومة الاتحادية رفضوا الردّ على أسئلة حول معلومات تفيد بأن اتفاقاً جرى بين بغداد وأنقرة، يقضي بتزويد الجيش التركي بمعلومات شاملة عن «العمال الكردستاني» وتحرّكاته، بهدف تحييده وتنفيذ غارات جوية على عناصره.
بغداد تسعى في المقابل إلى المضي في مشروع «طريق التنمية» وزيادة الإطلاقات المائية


ومن جانبه، يرى المحلل السياسي، إبراهيم السراج، أنّ المباحثات التي أجريت في بغداد تمهّد لزيارة مهمة لإردوغان في الشهر المقبل. ويضيف السراج، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «الملفات التي تمت مناقشتها مهمة على الصعيدين العراقي والإقليمي، كونها قضايا أمنية واقتصادية، ولكنّ الأبرز هو بحث وجود العمال الكردستاني في شمال العراق وآلية منح الشرعية لوزارة الدفاع التركية لقصفه». ويلفت المحلل السياسي إلى أن «تركيا تحاول استغلال طبيعة الخلافات بين بغداد وأربيل لتنفيذ خططها عبر الضغط في ملف المياه، وأيضاً النفط وتوقُّف تصديره من أراضي إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي بفعل تداعيات حكم تحكيم دولي صدر لمصلحة بغداد، ما أثّر بشكل كبير على اقتصاد البلاد».
أما الخبير الأمني المقيم في أربيل، معتز النجم، فيرى أنّ «قرار بناء المنطقة العازلة ستكون له تبعات كبيرة على صميم عمل حزب العمال الكردستاني ونشاطاته من جهة، وكذلك سيؤثر على أكراد سوريا وإقليم كردستان ما دام بينهما مشتركات، من جهة ثانية». ويقول النجم، لـ«الأخبار»، إن «على تركيا أن تدرك أن المنطقة العازلة سوف تؤثّر على الجميع، باعتبار أن نشاط حزب العمال الكردستاني، وإن اختلفت عليه بعض الجماعات والدول، فهو نشاط يجب أن يُعالج سياسياً وليس عسكرياً؛ لأن التحرّكات التركية أصبحت تشكل خطراً أمنياً على المدنيين في الإقليم». ويتابع أن «تأثيرات المنطقة العازلة ليست فقط أمنية وإنما اقتصادية، وربما مستقبلاً سنشهد تداعياته أكثر ليس فقط على العراق، وإنما على سوريا وباقي دول المنطقة».