بغداد | فجّرت قضية انسحاب القاضي الكردي، عبد الرحمن زيباري، من عضوية المحكمة الاتحادية العراقية العليا، احتجاجاً على قراراتها الصادرة أخيراً بشأن إقليم كردستان، الخلافات مجدداً بين إدارتَي بغداد وأربيل، ولا سيما بشأن توطين رواتب الموظفين، وحصة الإقليم من الموازنة المالية وإيرادات الحقول النفطية والمنافذ الحدودية. وقد أعلن زيباري الانسحاب من المحكمة، قائلاً إن جهوده وإمكاناته العلمية والمهنية أصبحت عاجزة عن الدفاع عن مصالح إقليم كردستان. وبعد ساعات على قرار الانسحاب، علّقت "الاتحادية" بالقول إن ذلك لا يؤثر على سير العمل فيها لوجود ثلاثة قضاة احتياط، فيما يرى مراقبون أن خطوة زيباري تؤشر إلى مخاطر تهدّد العلاقة الثنائية بين الإقليم والمركز بشكل أكبر. وتتعرّض المحكمة لحملة انتقادات متواصلة من الأحزاب السياسية الكردية، وعلى رأسها "الحزب الديموقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه مسعود بارزاني، إثر حكمها الخاص بصرف رواتب موظفي الإقليم من الحكومة الاتحادية بشكل مباشر من دون الرجوع إلى حكومة أربيل، إلى جانب منح إدارة بغداد حق السيطرة على إدارة النفط وتصديره، وإدارة الواردات الداخلية، وإعادتها كحصص في الموازنة. وتؤكد مصادر في الحكومة الاتحادية، لـ"الأخبار"، أنّ "وزارة المالية في بغداد عازمة على عدم صرف رواتب شهر آذار من دون التوطين في مصارف معتمدة لدى الحكومة المركزية"، معتبرة أنّ "تفعيل أزمة انسحاب القاضي الكردي جاء لتغطية عجز أربيل عن تسليم جميع بيانات موظفيها وخاصة قوات البيشمركة". وتضيف المصادر الحكومية أنّ "زيارة (رئيس وزراء الإقليم)، مسرور بارزاني، الأخيرة للولايات المتحدة كانت لطلب التدخّل لدى بغداد للتخلّي عن قرار توطين الرواتب، والسماح باستمرار استخراج النفط وتصديره من دون علم الحكومة الاتحادية، وبالتالي فإن الإقليم يتخوّف من خسارة نفوذه وصلاحياته ومكتسباته، وأن يبقى بلا عمل تنفيذي".
بارزاني طلب من واشنطن التدخّل لدى بغداد للتخلّي عن قرار توطين الرواتب


وفي السياق نفسه، يقول النائب عن "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، صباح صبحي، إن "هناك مشكلات كبيرة، وليس فقط مسألة توطين رواتب موظفي الإقليم. وهذا الأمر خلق فجوة كبيرة بين الطرفين، والمهم هو أن تكون القرارات منصفة". ويشير، في تصريح إلى "الأخبار"، إلى أنّه "حتى اللحظة لا يوجد حل شامل وحاسم"، لافتاً إلى أن "انسحاب القاضي زيباري جاء اعتراضاً على القرارات الصادرة بحقّ الإقليم، وما يتعرّض له من صغوط كبيرة سياسية واقتصادية في قضية الموازنة والإيرادات وآخرها التوطين". ويتابع أن "لدى الإقليم ملاحظات كبيرة، وخاصة بشأن كلفة إنتاج النفط والمبلغ المخصص له والبالغ 6.8 دولارات عن كل برميل، وعقود الشراكة التي تتطلّب تعديلات، وكذلك مسألة استئناف تصدير النفط عبر تركيا، والتي كبّدتنا خسارة 11 مليار دولار. وهذا يحتاج إلى حركة جدّية من قبل الحكومة الاتحادية لمعالجته سريعاً".
من جانبه، يعتقد النائب عن "الإطار التنسيقي" وعضو اللجنة القانونية في البرلمان، مرتضى الساعدي، بأنه "لا توجد مخالفة قانونية داخل المحكمة الاتحادية في القضايا التي تتعلّق بإقليم كردستان. وانسحاب القاضي الكردي ليس انسحاباً قانونياً بقدر ما كان سياسياً". ويشدّد، في حديث إلى "الأخبار"، على أن "المحكمة الاتحادية عادلة في جميع قراراتها، سواء كانت موجّهة إلى القوى السياسية الشيعية أو السنّية أو الكردية، وهي لم تفرّق أبداً طوال عملها بين طرف وآخر، ولهذا نحن ندعمها". ويرى أن الإقليم "لا يرغب في الالتزام بكلّ ما يصدر من الحكومة الاتحادية والمحكمة العليا، وهذا ما يدفعه إلى الاعتراض. فهو لا يريد تسليم بغداد أوراق موظفيه ومستنداتهم بعد قرار المحكمة". ويختم بالقول إن "الحكومة المركزية في انتظار اكتمال بيانات الموظفين في الإقليم لتدقيقها ووضعها في المصارف الاتحادية لتوطين جميع الرواتب وتسليمها شهرياً من دون عراقيل".
أما الخبير القانوني، علي التميمي، فيرى أن "الانسحاب لا يؤثر على تشكيلة المحكمة ولا على المرافعات ولا على القرارات، لأن هناك ثلاثة قضاة احتياط وفقاً لقانون المحكمة الرقم 30 لعام 2005 ونظامها الداخلي الذي يحدّد آلية استبدال العضو المنسحب". ويوضح أن "المادتين الثالثة والخامسة من قانون المحكمة تنصّان على أن الأخيرة تتكوّن من تسعة قضاة، من ضمنهم الرئيس، وهناك ثلاثة قضاة احتياط يحلّون محل من يشغر مكانهم، سواء بالمرض أو الوفاة أو الانسحاب. والقانون نفسه يشرح طريقة تعيينهم التي تكون بمقترح من: رئيس مجلس القضاء، رئيس المحكمة الاتحادية، رئيس الإشراف القضائي، رئيس الادعاء العام وبصدور مرسوم جمهوري من رئيس الجمهورية".