بغداد | في حزيران/ يونيو 2014، كانت المفاجأة «المتوقّعة»: سقوط مدينة الموصل، عاصمة محافظ نينوى، بيد «الغربان السود»، الذين فرّوا من السجون العراقية إلى الأراضي السورية، بعمليات عُدّت سلفاً، وسُمّيت بـ«عمليات هدم الأسوار».يومها، كانت الأجواء مهيّأة لزلزال كبير سيضرب المحافظات الشمالية والغربية. كان «المركز» في وادٍ، و«إقليم كردستان» والمحافظات في وادٍ آخر. العاصمة بغداد كانت مسرحاً للعمليات الإرهابية، بين عبوة واغتيال وتفجير انتحاري. شرائح واسعة من أبناء المحافظات الوسطى والشمالية والغربية رزحت تحت وطأة القلق؛ فهم عرضة للعمليات الإرهابية، والتصفيات الجسدية، وبين اتهام القوّات الأمنية لهم باعتبارهم «حواضن للإرهاب».
لم تكن محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار إلا مسرحاً للإرهاب؛ في النهار «سيطرات» (نقاط تفتيش) للقوات الأمنيّة، وعجلاتها تجوب الشوارع. أمّا ليلاً، فكانت تختفي. تنتقل «السيطرات» إلى المجاميع الإرهابية. كان ارتباط هذه المحافظات متعلّقاً بدوائر الدولة وخدماتها، وقد لا تصل هذه الخدمات إلى المناطق النائية، أو المناطق الأخرى المعروفة بأنها ترزح تحت سيطرة الإرهابيين.
القيادات الأمنيّة اعتاشت على تقارير مضلّلة تُرفع إلى مكتب القائد العام للقوات المسلّحة (يومها كان رئيس الوزراء نوري المالكي). لم تبالِ بخطورة الوضع، وكأن الأمور ستبقى على تلك الوضعية. أمّا بغداد، فكانت تعيش همومها، غير آبهة بالأوضاع الجارية في المحافظات الأخرى، وهذا ما دفع بالأمور لأن تكون في أسوأ حالاتها، بعدما امتزجت بظاهرة الخيام التي أُجبر المواطنون ـــ آنذاك ـــ على الحضور فيها، مع إغلاق المساجد عنوة لتقام صلاة الجمعة هناك.
كانت بغداد تعيش همومها غير آبهة بالأوضاع الجارية في المحافظات الأخرى


كان التمرّد على كل ما هو حكومي في المركز هو الظاهرة المتجسّدة في المحافظات الغربية، حيث غلب طابع طائفي وقومي في بعض الأحيان. وعندما تُستذكر التفاصيل في كل محافظة، وتصرّفات الحكومة المركزية والقوّات الأمنيّة، تبرز الخلاصة أن الأمور تنحو باتجاه الفوضى والتمزّق، خاصّة أن خطابات الساسة كانت انفعالية، تحاول شحن الجماهير، وكأنها في انتخابات، مغيّبة مفهوم «الشراكة أو المصير الواحد».
كل ما يستطيع المراقب قوله، إن «الشراكة» أكذوبة نسجتها التشكيلة الحكومية فقط؛ رئيس الوزراء – آنذاك – باتجاه، ورئيس البرلمان باتجاه ثانٍ، ورئيس «الإقليم» باتجاهٍ ثالث. العراق سار ـــ توازياً ـــ في ثلاثة اتجاهات، كل واحد بعيد عن الآخر، والضحية كان من يتلقّى بجسده العاري عمليّة إرهابية هنا، إن نجا منها يسمع بعمليّة أخرى ضحيّتها أحد معارفه أو أصدقائه.
كان العراق يمضي نحو التمزّق، وكان العاشر من حزيران يوماً أسود أُريد أن يكون يوماً لنهاية العراق، ونهاية هذه الدولة جغرافيّاً من على الخارطة. بعد ستة أعوام، ورغم الانتصار العسكري وتحرير الأرض، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، لم تنتهِ بعد آثار تنظيم «داعش»، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنيّة، سواء للأسباب السياسية التي تلت وعرقلت إعادة إعمار «عراق ما بعد داعش»، أو لاحقاً، أي اليوم، في ظل انتشار جائحة «كورونا» وتبعاتها الخطيرة على المستوى الاقتصادي.