قطع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمس، الشكّ باليقين، مُصدِراً قراراً رسمياً بإعفاء رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، مستشار الأمن الوطني، فالح الفياض، من جميع مناصبه. القرار الذي صدر، في ساعة متأخرة من مساء الخميس، تضمّن اتهاماً مبطناً للفياض بـ«استغلال المناصب الأمنية الحساسة في نشاطات حزبية»؛ إذ جاء فيه أن «انخراط الفياض في مزاولة العمل السياسي والحزبي، ورغبته في التصدي للشؤون السياسية، يتعارضان مع المهام الأمنية الحساسة التي يتولاها».تبريراتٌ يَظهر بوضوح أن العبادي يلمّح من خلالها إلى ما بات معلوماً من تقارب بين الفياض (مرشّح غير رسمي وجدّي لرئاسة الوزراء) وبين المعسكر الذي يضمّ رئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، وزعيم تحالف «الفتح» هادي العامري. وهو تقارب سبق لأوساط رئيس الوزراء أن ردّت، قبل فترة قصيرة، على المعلومات المتداولة في شأنه، بإلقاء «بالونة اختبار» حول إعفاء الفياض من مناصبه، قبل أن تنفي الأمر، وتعزوه إلى «إشاعات» يلقيها تحالف المالكي - العامري بهدف «تسقيط» الفياض. اليوم، بات الأمر جلياً. يقول رئيس حكومة تصريف الأعمال، في ما بين سطور قراره، إن رئيس حركة «عطاء» الذي خاض ومرشّحوه الانتخابات تحت راية تحالف «النصر» أضحى عملياً خارج هذا التحالف. وفي ذلك تطور هام سيترك تأثيراته في مسار تشكيل الكتلة النيابية الأكبر، الذي لا يزال يواجه تعقيدات يبدو الأطراف جميعهم عاجزين عن تخطّيها.
وإلى جانب قرار إقالة الفياض، الذي يُتوقّع أن يشكّل دفعة لتحالف «دولة القانون» - «الفتح»، على حساب تحالف «النصر» - «سائرون» (المدعوم من التيار الصدري)، تأتي دعوة زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، المفاجئة، إلى «مليونية غاضبة» في مسجد الكوفة اليوم الجمعة، لتكشف عن ارتباك يسود «نواة الكتلة الأكبر» (التي أُعلنت بين «سائرون» و«النصر» و«الحكمة» و«الوطنية»)، وقلق متصاعد من أن يفلت خيط هذه الكتلة من أيدي زعمائها. وهو قلق لم تأتِ التصريحات الكردية الأخيرة، والتي تسبق زيارة يبدأها، خلال الساعات المقبلة، وفد موحّد من الحزبين الكرديين الرئيسين (الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) إلى العاصمة بغداد، إلا لتُضاعفه.
هدّد العامري بإسقاط أي حكومة «عميلة» خلال شهرين


وأعلن «دولة القانون»، أمس، أنه سيبدأ مفاوضات مع الوفد الكردي «للوصول إلى تفاهمات واتفاقات في شأن الكتلة الأكبر»، مشيراً إلى أن «دولة القانون والفتح (بزعامة العامري) يجريان مفاوضات مع غالبية الكتل السياسية تمهيداً لتشكيل الكتلة الأكبر، ولغاية الآن لم تُحسَم المفاوضات في شكل نهائي». وجاء إعلان «دولة القانون» في وقت بعث «الحزب الديموقراطي» (بزعامة مسعود برزاني) برسالة تحذير إلى معسكر العبادي - الصدر فحواها أن «بيضة القبان» الكردية قد تستقرّ في نهاية المطاف على ما لا يلائم مصلحة ذلك المعسكر. إذ انتقد الناطق باسم الحزب، محمود محمد، تصريحات رئيس الوزراء في شأن كركوك والمناطق المتنازع عليها، معتبراً أنه «لا يخدم نواة الكتلة الأكبر». وأشار محمد إلى أنه «حتى الآن، لم نقدم أي مشروع إلى أي جهة»، مجدداً القول إن «أي كتلة تراعي التوافق والشراكة والتوازن، وتلتزم بحقوق شعب وإقليم كردستان، سنتحالف معها».
وتأتي زيارة الوفد الكردي إلى بغداد، والتي تبدأ عصر السبت وفقاً لما أعلن الناطق من أربيل، تزامناً مع تحركات مكثفة يقوم بها المبعوث الأميركي إلى العراق، بريت ماكغورك، في ظل صعوبات واضحة تعترض طريقه. صعوبات بدأ الحديث يدور عن أنها قد تدفع الولايات المتحدة إلى العمل على تشكيل حكومة «إنقاذ» أو «طوارئ» منعاً لأي سيناريو حكومي تكون فيه الكلمة الأولى لحلفاء إيران. لكن، إلى الآن، يبدو أن الخطة الأميركية تسير في اتجاه «تشكيل حكومة جديدة من محور سائرون، ومعهم الكرد والسنة، وإجبار محور القانون والفتح على الذهاب إلى المعارضة»، بحسب ما يرى «دولة القانون». وهي خطة بدا لافتاً، أمس، التحذير الذي جاء على لسان زعيم تحالف «الفتح» من المضيّ فيها. إذ كرّر العامري رفضه «أي تدخل أميركي في تشكيل الحكومة»، مُهدداً بـ«(أنكم) إذا أصررتم على تدخلكم، سنعتبر أي حكومة تُشكّل من قبلكم عميلة وسنسقطها خلال شهرين».